فالجواب : أنه روي عن عطاء والحسن أنه كان دينهم اليهودية فلذلك قالوا : إنا سمعنا كتابا أنزل بعد موسى. وعن ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (١) ـ أن الجنّ ما سمعت أمر عيسى فلذلك قالوا : من بعد موسى ثم إن الجن لما وصفوا القرآن بهذه الصفات الفاضلة قالوا يا قومنا أجيبوا داعي الله» يعني محمّدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (٢).
فصل
دلت هذه الآية على أنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان مبعوثا إلى الجنّ كما كان مبعوثا إلى الإنس. قال مقاتل : لم يبعث الله نبيا إلى الإنس وإلى الجن قبله.
فإن قيل : قوله (أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) أمر بإجابته في كل ما أمر به فيدخل فيه الأمر بالإيمان فكيف قال : «وآمنوا به»؟
فالجواب : أفاد ذكر الإيمان على التعيين ، لأنه أهم الأقسام وأشرفها وقد جرت عادة القرآن الكريم بأنه يذكر اللفظ العام ثم يعطف عليه أشرف أنواعه ، كقوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] وقوله (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) [الأحزاب : ٧] ولما أمر بالإيمان به ذكر فائدة ذلك الإيمان فقال : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) قال بعضهم : كلمة «من» هنا زائدة (٣) والتقدير : يغفر لكم ذنوبكم ، وقيل : بل فائدته أن كلمة «من» هنا لابتداء الغاية والمعنى أنه يقع ابتداء الغفران بالذنوب ثم ينتهي إلى عفو ما صدر عنكم من ترك الأولى والأكمل (٤). ويجوز أن تكون تبعيضية (٥).
قوله : (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ فاستجاب لهم من قومهم نحو سبعين بعلا من الجن فرجعوا إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فوافقوه في البطحاء فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم (٦).
فصل
اختلفوا في أن الجن هل لهم ثواب أم لا؟ فقيل : لا ثواب لهم إلا النجاة من النار ، ثم يقال لهم : كونوا ترابا مثل البهائم. واحتجوا على ذلك بقوله : (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) وهو قول أبي حنيفة والصحيح أن حكمهم حكم بني آدم يستحقون الثواب على
__________________
(١) زيادة من أ.
(٢) الرازي ٢٨ / ٣٢.
(٣) ذكرت في البحر والرازي دون تحديد انظر البحر ٨ / ٦٨ والرازي ٢٨ / ٣٣.
(٤) الرازي السابق.
(٥) البحر السابق.
(٦) ذكره القرطبي ١٦ / ٢١٧.