الكافرين (١). والمراد بالأمثال الأشكال. وقيل : بين كون الكافر متبعا للباطل وكون المؤمن متبعا للحق. والضمير في قوله «أمثالهم» فيه وجهان :
أحدهما : أنه يعود إلى الناس ، كأنه تعالى قال : يضرب للناس أمثال أنفسهم.
والثاني : يعود إلى الفريقين السابقين ، والمعنى يضرب الله للناس أمثال الفريقين السّابقين(٢).
قوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ)(٦)
قوله : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) العامل في هذا الظرف فعل مقدر هو العامل في «ضرب (الرِّقابِ) تقديره فاضربوا الرقاب وقت ملاقاتكم العدوّ (٣). ومنع أبو البقاء أن يكون المصدر نفسه عاملا ، قال : لأنه مؤكّد (٤) وهذا أحد القولين في المصدر النائب عن الفعل ، نحو : ضربا زيدا ، هل العمل منسوب إليه أم إلى عامله؟ ومنه (قول الشاعر) (٥) :
٤٤٦٢ ـ على حين ألهى النّاس جلّ أمورهم |
|
فندلا زريق المال ندل الثّعالب (٦) |
فالمال منصوب إما ب «اندل» أو ب «ندلا» والمصدر هنا أضيف إلى معموله. وبه استدل على أن العمل للمصدر ، لإضافته إلى ما بعده ولو لم يكن عاملا لما أضيف إلى ما بعده(٧).
فصل
قال ابن الخطيب : الفاء في قوله : (فَإِذا لَقِيتُمُ) يستدعي متعلّقا تعلّق به وترتّب عليه وفيه وجوه :
الأول : لما بين أن الذين كفروا أضل أعمالهم ، وأن اعتبار الإنسان بالعمل ومن لا
__________________
(١) معاني القرآن وإعرابه ٥ / ٣.
(٢) الكشاف ٣ / ٥٣٠ والرازي ٢٨ / ٤٢ و ٤٣.
(٣) البحر المحيط ٨ / ٧٣ والتبيان ١١٦٠.
(٤) المرجع السابق.
(٥) زيادة من (ب).
(٦) نسب إلى الأحوص وإلى جرير وإلى أعشى همدان ، وزريق اسم قبيلة وندل الثعالب يريد السرعة.
وهذا الشاعر يصف قوما لصوصا يأتون إلى دارين فيسرقون ويملئون حقائبهم ثم يفرغونها ويعودون إلى دارين. وقوله : «على حين ألهى الناس جل أمورهم» يريد حين اشتغل الناس بالفتن والحروب.
والندل التناول. والشاهد : نصب المال بفعل مقدر أو بالمصدر على ما أوضحه أعلى وعلى جواز الأمرين وفيه شاهد أخرى وهو فتح نون «حين» دليلا على بنائها. وانظر الإنصاف ٢٩٣ والخصائص ١ / ١٢٠ والتّصريح ١ / ٣٣١ والأشموني ٢ / ١١٦ و ٢٥٨ والصحاح ندل والبحر ٨ / ٧٣.
(٧) المرجع السابق.