قوله : «ذلك» يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي الأمر ذلك وأن ينتصب بإضمار «افعلوا» (١). قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يقال : ذلك واجب أو مقدم كما يقول القائل : إن فعلت فذاك ، أي فذاك مقصود ومطلوب (٢).
فصل
قال المفسرون : معناه «ذلك» الذي ذكرت وبيّنت من حكم الكفار ، (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) فأهلكهم وكفاهم أمرهم بغير قتال ، «ولكن» أمركم بالقتال (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) فيصير من قتل من المؤمنين إلى الثواب ، ومن قتل من الكافرين إلى العذاب (٣).
فإن قيل : ما التحقيق في قولنا : التكليف ابتلاء وامتحان والله يعلم السّرّ وأخفى؟
فالجواب من وجوه :
الأوّل : أن المراد منه يفعل ذلك فعل المسلمين أي كما يقول المبتلى المختبر.
الثاني : أن الله تعالى يبلو ليظهر الأمر لغيره ، إما للملائكة ، أو للناس والتحقيق هو أن الابتلاء والاختبار فعل يظهر بسببه أمر ظاهر.
فإن قيل : فائدة الابتلاء حصول العلم عند المبتلي ، فإذا كان الله عالما فأيّ فائدة فيه؟
فالجواب : أن هذا السؤال كقول القائل لم عاقب الكافر وهو مستغن؟ ولم خلق النار محرقة وهو قادر على أن يخلقها بحيث تنفع ولا تضر؟ وجوابه : لا يسأل عمّا يفعل (وَهُمْ يُسْئَلُونَ)(٤)؟
قوله : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) قرأ العامة قاتلوا. وأبو عمرو وحفص قتلوا مبنيا للمفعول (٥) على معنى أنهم قتلوا وماتوا ؛ أصاب القتل بعضهم كقوله : (قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ) [آل عمران : ١٤٦]. وقرأ الجحدريّ : قتلوا بفتح القاف والتاء خفيفة ومفعوله محذوف. وزيد بن ثابت والحسن وعيسى قتّلوا ، بتشديد التاء مبنيا للمفعول (٦).
قوله : (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) قرأ علي ـ رضي الله عنه ـ يضلّ مبنيا للمفعول أعمالهم
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٥٣١ والبحر ٧٥ وقال بالأول فقط أبو البقاء ١١٦٠.
(٢) الرازي ٢٨ / ٤٥.
(٣) الرازي السابق والقرطبي ١٦ / ٢٢٩ و ٢٣٠.
(٤) بالمعنى من الرازي ٢٨ / ٤٦.
(٥) قراءة سبعية متواترة انظر السبعة ٦٠٠ والكشف ٢ / ٢٧٦ وحجة ابن خالويه ٣٢٨ والإتحاف ٣٩٣.
(٦) القراءتان شاذتان لكن الثانية من الأربع فوق العشر ، فقد ذكرت في الإتحاف السابق وقد ذكر القراءتين دون نسبه الكشاف ٣ / ٥٣١ كما ذكرهما بنسبة أبو حيان في البحر ٨ / ٧٥ وذكر الثانية بنسبة ابن خالويه في المختصر ١٤١.