وضده لما إذا أرادوا قيامه. وأضل أعمالهم ؛ لأنها كانت في طاعة الشيطان ، وهذا زيادة في تقوية قلوبهم ؛ لأنه تعالى قال : لكم الثبات ولهم الزوال والتّعثّر.
قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) يجوز أن يكون «ذلك» مبتدأ ، والخبر الجار بعده ، أو خبر مبتدأ مضمر ، أي الأمر ذلك بسبب أنهم كرهوا. أو منصوب بإضمار فعل أي فعل بهم (١) ذلك بسبب أنهم كرهوا فالجار في الوجهين الأخيرين منصوب المحل والمعنى : ذلك التعس والإضلال بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم والمراد أنهم كرهوا القرآن ، أو كرهوا ما أنزل الله من بيان التوحيد فلم يعرفوا العمل الصّالح بل أشركوا ، والشرك يحبط العمل ، قال تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] وقيل : كرهوا ما أنزل الله من بيان أمر الآخرة فلم يعملوا لها والدنيا وما فيها وما لها باطل ، فأحبط الله أعمالهم.
قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ)(١٤)
ثم خوف الكفار فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي أهلكهم (٢).
قوله : (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) يجوز أن يكون حذف مفعوله ، أي أهلك الله بيوتهم ، وخرّبها عليهم (٣) أو يضمن معنى «دمر» معنى سخط الله عليهم بالتدمير. وقوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) مناسب للوجه الأخير ، يعني فينظروا إلى حالهم ، ويعلموا أن الدنيا فانية.
قوله : (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) أي أمثال العاقبة المتقدمة (٤). وقيل : أمثال العقوبة. وقيل: التدمير. وقيل : الهلكة (٥). والأول أولى لتقدم ما يعود عليه الضمير صريحا مع صحة معناه.
__________________
(١) ذكر هذين الإعرابين المحتملين الزجاج في معاني القرآن ٥ / ٧.
(٢) انظر الرازي ٢٨ / ٤٩ و ٥٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٧٦.
(٣) قاله القرطبي في الجامع ١٦ / ٢٣٤ وانظر المرجعين السابقين.
(٤) وهو اختيار الزجاج في المعاني ٥ / ٨.
(٥) الكشاف ٣ / ٥٣٢ وقال بالعقوبة الرازي فيما نقله عن أحد الأقوال.