فإن قيل : إذا عاد الضمير إلى العاقبة فكيف يكون لها أمثال؟
فالجواب : أن المراد هو العذاب الذي هو مدلول العاقبة ، والألم الذي دلّت العاقبة عليه(١).
فصل
في المراد بقوله : (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) وجهان :
أحدهما : أن المراد الكافرون بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
والثّاني : أن المراد لهم أمثالها في الآخرة ، فيكون المراد من الكافرين من تقدّم ، كأنه يقول : دمر الله عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها.
فإن قيل : إذا كان المراد (من) الكافرين بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإنهم أمثال ما كان لمن تقدمهم من العاقبة ، فالأولون أهلكوا بأمور شديدة كالزّلازل والنّيران والرّياح والطّوفان ، ولا كذلك قوم محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
فالجواب : يجوز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين ، لكون دين محمد أظهر بسبب تقدم الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ عليه ، وإخبارهم عنه ، وإنذارهم على أنهم قتلوا وأسروا بأيدي من كانوا يستخفّونهم ويستضعفونهم والقتل بيد المثل آلم من الهلاك بسبب عام (٢).
قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم الكلام على نظيره (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) والمراد بالمولى هنا الناصر. ثم ذكر ما للفريقين فقال : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) لما بين حال المؤمنين والكافرين في الدنيا بين حالهم في الآخرة وقال : إنه يدخل المؤمن الجنة ، والكافر النار. وقد تقدم أن من في قوله : (مِنْ تَحْتِهَا) تحتمل أن تكون صلة معناه تجري تحتها ، ويحتمل أن يكون المراد (أن) (٣) ماءها منها لا يجري إليها من موضع آخر ، يقال : هذا النهر منبعه من أين؟ يقال : من عين كذا من تحت جبل كذا (٤).
قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) أي ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم وهم لاهون عما في غد. قيل : المؤمن في الدنيا يتزود ، والكافر يتزين ، والكافر يتمتع (٥).
قوله : (كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) إما حال من ضمير المصدر ، أي يأكلون الأكل مشبها أكل الأنعام وإما نعت لمصدر أي أكلا مثل أكل الأنعام.
__________________
(١) الرازي ٢٨ / ٥٠.
(٢) الرازي السابق.
(٣) سقط من (ب).
(٤) انظر كل هذا في الرازي ٢٨ / ٥٠ و ٥١.
(٥) القرطبي ١٦ / ٢٣٤.