ـ عليه الصلاة والسلام ـ كأنه قال : أهلكنا من تقدم من أهل دينك ولا ناصر لأهل قريتك ينصرهم ويخلّصهم من مثل ما جرى على الأولين (١).
فصل
قال ابن عباس (رضي الله عنهما) (٢) : لما خرج رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من مكة إلى الغار التفت إلى مكة ، وقال : أنت أحب بلاد الله إلى الله ، وأحب بلاد الله إليّ ، ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك. فأنزل الله هذه الآية (٣).
قوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) أفمن كان مبتدأ والخبر (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ) وحمل على لفظ «من» فأفرد في قوله : (سُوءُ عَمَلِهِ) ، وعلى المعنى فجمع في قوله : (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ). (والجملة (٤) من (اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) عطف على «زين» ؛ فهو صلة.
فصل
معنى قوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) أي يقين من دينه ، يريد محمدا والمؤمنين ، كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) يعني عبدة الأوثان ، يريد أبا جهل والمشركين.
قوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ)(١٧)
قوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) لما بين الفرق بين الفريقين في الاهتداء والإضلال بين الفرق بينهما في مرجعهما ومآلهما.
قوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) فيها أوجه :
أحدها : أنه مبتدأ وخبره مقدر ، فقدره النضر بن شميل : مثل الجنة ما يسمعو ن «فما يسمعون» خبر ، و (فِيها أَنْهارٌ) مفسر له. وقدره سيبويه : فيما يتلى عليكم مثل الجنة. والجملة بعدها أيضا مفسرة للمثل (٥). قال سيبويه : المثل هو الوصف ومعناه وصف الجنة ، وذلك لا يقتضي مشابهة.
__________________
(١) هذا رأي الإمام الرازي في مرجعه السابق.
(٢) زيادة من (أ).
(٣) القرطبي ١٦ / ٢٣٥ والبحر ٨ / ٧٨.
(٤) ما بين القوسين سقط من (ب) بسبب انتقال النظر وهو بتوضيح وتفصيل في التبيان للعكبري ١١٦١.
(٥) انظر البحر والكشاف السابقين.