فصل
قال سهل بن سعد : رأيت النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال بإصبعه هكذا بالوسطى والتي تلي الإبهام : بعثت والسّاعة كهاتين. وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : إنّ من أشراط السّاعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الرّبا ، ويكثر شرب الخمر ، ويقلّ الرّجال ، وتكثر النّساء حتّى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد (١). وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إذا ضيّعت الأمانة فانتظر السّاعة فقيل : كيف إضاعتها؟ قال : إذا وسّد الأمر إلى غير أهله ، فانتظر السّاعة (٢). واعلم أن قوله تعالى : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون بيانا لغاية عنادهم. ويحتمل أن يكون تسلية لقلب المؤمنين كأنه تعالى لما قال : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) ، فهم منه تعذيبهم ، قال المفسرون : أشراط الساعة مثل انشقاق القمر ، ورسالة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ (٣).
قوله : (فَأَنَّى لَهُمْ) «أنّى» خبر مقدم ، و «ذكراهم» مبتدأ مؤخر ، أي أنّى لهم التذكير. وإذا وما بعدها معترض. وجوابها محذوف أي كيف لهم التذكير إذا جاءتهم الساعة؟ فكيف تتذكرون؟ ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفا أي أنّى لهم الخلاص (٤)؟ ويكون «ذكراهم» فاعلا ب «جاءتهم». وقرأ أبو عمرو ـ في رواية ـ «بغتّة» بفتح الغين (٥) وتشديد التاء. وهي صفة فنصبها على الحال ، ولا نظير لها في الصفات ولا في المصادر ، وإنما هي في الأسماء نحو : الجربّة (٦) ـ للجماعة ـ والشّربّة للمكان (٧). قال الزمخشري : وما أخوفني أن تكون غلطة من الراوي على أبي عمرو ، وأن يكون الصواب : بغتة بفتح الغين من غير تشديد (٨).
فصل
معنى الآية فمن أين لهم التّذكّر والاتّعاظ والتوبة إذا جاءتهم ذكراهم أي السّاعة نظيره : (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) [الفجر : ٢٣].
قوله : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) وجه مناسبته لما قبله هو أنه تعالى لما قال فاعلم أنه لا
__________________
(١) ذكره الإمام أحمد في مسنده ١٠ / ٣٨٧ ، ٤٠٦ و ٢ / ٣٩٤ و ٣ / ١٠٨.
(٢) مسند الإمام أحمد ٢ / ٢٦١ والبخاري باب العلم ١ / ٢١ عن أبي هريرة.
(٣) الرازي ٢٨ / ٦٠.
(٤) البحر المحيط ٨ / ٨٠ والتبيان ١١٦٢.
(٥) ذكرها صاحب الكشاف ٣ / ٥٣٥ ولم ترو في المتواتر عن أبي عمرو وانظر المختصر لابن خالويه ١٤٠ وقد ضبطت من المحقق خطأ فضبطها بضم الأول.
(٦) هي جماعة الحمر. وقيل : هي الغلاظ الشداد منها. وفيها أقوال أخر ذكرها صاحب اللسان ٥٨٣ جرب.
(٧) انظر اللسان شرب ٢٢٢٥ ومن معانيها : الموضع أو الأرض التي تنبت العشب اللينة ولا ثالث لهما وجعل بعضهم ثالثا وهو غضبّة للغضوب قاله نصر انظر المرجع السابق.
(٨) الكشاف ٣ / ٥٣٥.