فصل
المعنى ويقول الذين آمنوا حرصا منهم على الجهاد هلا أنزلت سورة تأمرنا بالجهاد. واعلم أن المؤمن كان ينتظر نزول الأحكام والتكاليف ويطلب تنزيلها وإذا تأخر عنه التكليف كان يقول : هلا أمرت بشيء من العبادة خوفا من أن لا يؤهل لها. وأما المنافق فإذا أنزلت (١) السورة أو الآية وفيها تكليف فيشق عليه ذلك فحصل التّباين بين الفريقين في العلم والعمل. والمراد بالسورة التي فيها تكليف. وقوله : «محكمة» أي لم تنسخ ، وقال قتادة : كل سورة ذكر فيها الجهاد محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين (٢).
(٣) قوله : (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعني المنافقين (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) شزرا بتحديق شديد كراهية منهم للجهاد ، وجبنا عن لقاء العدوّ.
قوله : «نظر المغشيّ» الأصل نظرا مثل نظر المغشيّ عليه من الموت كما ينظر الشاخص بصره عند الموت.
قوله : (فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ). اختلف اللّغويون والمعربون ـ (رحمهالله عليهم) ـ في هذه اللفظة فقال الأصمعي ـ (رحمهالله) (٤) ـ : إنها فعل ماض بمعنى قاربه ما يهلكه (٥) ، وأنشد ـ (رحمهالله) :
٤٤٧٤ ـ فعادى بين هاديتين منها |
|
وأولى أن يزيد على الثّلاث (٦) |
أي قارب أن يزيد.
قال ثعلب : لم يقل أحد في أولى أحسن من الأصمعيّ (٧). وقال البغوي : معناه وليك وقاربك ما تكره (٨) ولكن الأكثرين (٩) على أنه اسم. ثم اختلف هؤلاء فقيل هو مشتق من الولي وهو القرب كقوله :
٤٤٧٥ ـ تكلّفني ليلى وقد شطّ وليها |
|
وعادت عواد بيننا وخطوب (١٠) |
__________________
(١) في (ب) نزلت.
(٢) الرازي ٢٨ / ٦٢.
(٣) القرطبي ١٦ / ٢٤٣ وهذا الإعراب ذكره أبو البقاء في التبيان ١١٦٣.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (ب) وزائد من (أ).
(٥) القرطبي المرجع السابق والبحر المحيط ٨ / ٧١.
(٦) لم أعرف منشده وهو من تامّ الوافر. وشاهده في «أولى» فهو بمعنى قارب ما يهلكه على رأي الأصمعي ، والهادية : أول كلّ شيء وما تقدم منه. ولهذا قيل : أقبلت هوادي الخيل إذا رؤيت أعناقها. وانظر البيت في القرطبي ١٦ / ٢٤٤ ومقاييس اللغة ٦ / ١٤١ واللسان ولي ٤٩٢٣ ، والهمع ١ / ١٢٨ والبحر ٨ / ٧١ بلفظ «تعادى» ولعله خطأ من الناسخ.
(٧) القرطبي المرجع السابق.
(٨) معالم التنزيل له ٦ / ٦٣.
(٩) في النسختين : الأكثرون بالرفع.
(١٠) من الطويل وهو لعلقمة الفحل. وهو في البحر ٨ / ٧١ ومعاهد التنصيص ١ / ٦٣ ، وحاشية الدّمنهوريّ ٩٣. والشاهد وليها بمعنى القرب.