الثالث : الإتيان بها من غير أن يقرن بها شيء (١) تقول : عسى زيد يخرج ، وعسى أنت تخرج ، وعسى أنا أخرج ، والكل متوجه وما عليه كلام الله أوجه ، لأن «عسى» من الأفعال الجامدة ، واقتران الفاعل بالفعل الأولى من اقتران المفعول ، لأن الفاعل كالجزء من الفعل ولهذا لم يجوزوا فيه أربع متحركات في مثل قول القائل : بصرت (٢) وجوزوا في مثل قولنا : بصرك (٣). وقد تقدم الكلام في «عسى» مشبعا.
وفي قوله : «عسيتم» إلى آخره ، التفات من غيبة في قوله : (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) إلى خطابهم بذلك زيادة في توبيخهم والاستفهام للتقرير المؤكد فإنه لو قال على سبيل الإخبار : «عسيتم إن» لكان للمخاطب أن ينكره فإذا قال بصيغة الاستفهام فإنه يقول : أنا أسألك عن هذا وأنت لا تقدر (أن) (٤) تجيب إلا ب «لا» أو «نعم» ، فهو مقرّر عندك وعندي (٥).
واعلم أن «عسى» للتوقع والله عالم بكل شيء والكلام فيه كالكلام في «لعلّ» وفي قوله: (لِيَبْلُوَكُمْ)(٦) [المائدة : ٤٨] فقال بعضهم : يفعل بكم فعل المترجّي والمبتلي والمتوقع. وقيل : كل من ينظر إليهم يتوقع منهم ذلك. وقال ابن الخطيب : هو محمول على الحقيقة ؛ لأن الفعل إذا كان في نفسه متوقعا فالنظر إليه غير مستلزم لأمر ، وإنما الأمر يجوز أن يحصل منه تارة ، ولا يحصل منه أخرى يكون الفعل لذلك الأمر المطلوب على سبيل الترجّي سواء كان الفاعل يعلم حصول الأمر منه أو لم يعلم. مثاله من نصب شبكة لاصطياد الصّيد يقال : هو متوقع لذلك ، فإن حصل له العلم بوقوعه فيه بإخبار صادق أنه سيقع أو بطريق أخرى لا يخرج عن التوقع. غاية ما في الباب أن في الشاهد لم يحصل لنا العلم فيما (٧) نتوقعه (٨) فظن أن عدم العلم لازم للتوقع فليس كذلك بل التوقع
__________________
ـ أحدها : أنها أجريت مجرى لعل في نصب الاسم ورفع الخبر كما أجريت لعل مجراها في اقتران خبرها بأن وقال به سيبويه.
والثاني : أنها باقية على عملها عمل كان ولكن استعير ضمير النصب مكان ضمير الرفع وقال بذلك الأخفش.
والثالث : أنها باقية على إعمالها عمل كان ولكن قلب الكلام فجعل المخبر عنه خبرا وبالعكس قاله المبرد والفارسيّ. بتصرف من المغني ١٥١ و ١٥٢ و ١٥٣.
(١) يقصد أن هذا المذهب أو الوجه قليل كقوله : عسى الكرب ... البيت.
(٢) في (ب) والرازي : نصرت.
(٣) وانظر الرازي ٢٨ / ٦٣ و ٦٤.
(٤) ساقط من النسختين فهو زيادة للسياق.
(٥) الرازي السابق.
(٦) كذا في (أ) وهي كلمة من الآية ٤٨ من المائدة وفي (ب) ليبلوهم وليست موجودة في القرآن وفي الرازي لنبلوهم بالنون من الآية ٧ من سورة الكهف.
(٧) كذا في (أ) والرازي وفي (ب) يتوقعه بالياء.
(٨) في الرازي : فيظن.