حاكيا عنهم : (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) [فصلت : ٥] والوقر دون الصّمم (١).
فصل
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) إشارة إلى من سبق ذكرهم من المنافقين ، أبعدهم الله عنه أو عن الخير فأصمهم لا يسمعون الكلام المبين وأعمى أبصارهم عن الحق.
قوله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) فيه سؤال وهو أنه تعالى قال : فأصمهم وأعمى أبصارهم فكيف يمكنهم التدبر في القرآن وهو كقول القائل للأعمى أبصر وللأصمّ اسمع؟!.
فالجواب من ثلاثة أوجه مترتبة بعضها أحسن من بعض :
الأول : تكليفه ما لا يطاق جائز والله أمر من علم منه أنه لا يؤمن بأن يؤمن فلذلك جاز أين يصمّهم ويعميهم ويذمّهم على ترك التدبر.
الثاني : أن قوله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) المراد منه الناس.
الثالث : أن يقال : هذه الآية وردت محققة لمعنى الآية المتقدمة كأنه تعالى قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أي أبعدهم عنه أو عن الصدق أو الخير أو غير ذلك من الأمور الحسنة فأصمهم لا يسمعون حقيقة الكلام وأعماهم لا يتبعون طريقة الإسلام ، فإذن هم بين أمرين إما لا يتدبرون القرآن فيبعدون منه ، لأن الله لعنهم وأبعدهم عن الخير والصدق والقرآن منهما هو الصّنف الأعلى بل النوع الأشرف وإما يتدبرون لكن لا تدخل معانيه في قلوبهم لكونها مقفلة تقديره : أفلا يتدبرون القرآن لكونهم ملعونين مبعدين (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) فيتدبرون ولا يفهمون ؛ وعلى هذا لا يحتاج إلى أن يقول : أم بمعنى «بل» بل هي على حقيقتها للاستفهام واقعة والهمزة أخذت مكانها وهو الصدر (٢).
وقيل : أم بمعنى بل. والمعنى بل على قلوب أقفالها فلا تفهم مواعظ القرآن وأحكامه (٣) روى هشام بن عروة (٤) عن أبيه قال : «تلا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فقال شابّ من أهل اليمن بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها ، فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به» (٥).
قوله : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ) أم منقطعة وتقدم الكلام على «أم» المنقطعة. وقرأ العامة :
__________________
(١) بالمعنى من تفسير الرازي ٢٨ / ٦٥.
(٢) أخذ المؤلف ـ رحمهالله ـ كل هذا من الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير السابق مع تغيير طفيف في العبارة.
(٣) قال ببل وبقطع أم جار الله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٥٣٦ والقرطبي في الجامع ١٦ / ٢٤٦.
(٤) ابن الزبير رضي الله عنهم أجمعين وقد سبق التعريف به.
(٥) ذكره البغوي في معالم التنزيل في سورة «محمد».