«أقفالها» بالجمع على أفعال. وقرىء أقفلها (بالجمع (١)) على أفعل (٢). وقرىء إقفالها بكسر الهمزة مصدرا كالإقبال (٣). وهذا الكلام استعارة بليغة قيل : ذلك عبارة عن عدم وصول الحق إليها (٤).
فإن قيل : ما الفائدة في تنكير القلوب؟.
فقال الزمخشري : يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون للتنبيه على كونه موصوفا لأن النكرة بالوصف أولى من المعرفة فكأنه قال : أم على قلوب قاسية أو مظلمة.
الثاني : أن تكون للتبعيض كأنه قال : أم على نفس القلوب ؛ لأن النكرة لا تعمّ ، تقول : جاءني رجال فيفهم البعض وجاءني الرجال فيفهم الكل (٥). والتنكير في القلوب للتنبيه على الإنكار الذي في القلوب وذلك لأن القلب إذا كان عارفا كان معروفا ، لأن القلب خلق للمعرفة فإذا لم يكن فيه المعرفة فكأنه لا يعرف قلبا ، فلا يكون قلبا يعرف ، كما يقال للإنسان المؤذي : هذا ليس بإنسان فكذلك يقال : هذا ليس بقلب هذا حجر. وإذا علم هذا فالتعريف إما بالألف واللام وإما بالإضافة بأن يقال : على قلوبهم أقفالها أو هي لعدم عود فائدة إليهم كأنها ليست لهم(٦).
فإن قيل : قد قال الله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [البقرة : ٧] وقال : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) [الزمر : ٢٢].
فالجواب : الإقفال أبلغ من الختم ، فترك الإضافة لعدم انتفاعهم رأسا.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله : «أقفالها» بالإضافة ولم يقل : أقفال كما قال : قلوب؟.
فالجواب : لأن الأقفال كأنها ليست إلا لها ولم تضف القلوب إليهم لعدم نفعها إياهم وإضافة الأقفال إليها لكونها مناسبة لها. أو يقال : أراد به أقفالا مخصوصة هي أقفال الكفر والعناد(٧).
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) رجعوا كفارا (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى)
__________________
(١) زيادة للسياق.
(٢) ذكرها أبو حيان في تفسيره ولم يعيّن من قرأ بها. وهي شاذة. انظر البحر ٨ / ٨٣.
(٣) شاذة كسابقتها. انظر المرجع السابق والكشاف ٣ / ٥٣٦.
(٤) المرجع السابق.
(٥) باللفظ من الرازي والمعنى من الكشاف ٣ / ٥٣٦.
(٦) الرازي المرجع السابق.
(٧) كذا في (أ) والرازي وفي (ب) والفساد. وانظر الرازي المرجع السابق.