وقوله : «إسرارهم» قرأ الأخوان وحفص بكسر الهمزة مصدرا. والباقون بفتحها جمع سرّ(١).
قوله : «فكيف» إما خبر مقدم ، أي فكيف علمه بأسرارهم إذا توفتهم الملائكة. وإما منصوب بفعل محذوف أي فكيف تصنعون (٢)؟ وإما خبر «لكان» مقدرة أي فكيف يكونون؟ والظرف معمول لذلك المقدر وقرأ الأعمش : «توفّاهم» دون تاء ، فاحتملت وجهين : أن يكون ماضيا كالعامة ، وأن يكون مضارعا حذفت إحدى تائيه (٣).
قوله : «يضربون» حال إما من الفاعل وهو الأظهر أو من المفعول (٤).
فصل
قال ابن الخطيب : الأظهر أن قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) أي ما في قلوبهم من العلم بصدق محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإنهم كانوا مكابرين معاندين وكانوا يعرفون رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كما يعرفون أبناءهم ويؤيده القراءة بكسر الهمزة فإنهم كانوا يسرّون نبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإن قلنا : المراد من الذين ارتدّوا هم المنافقون فكانوا يقولون للجاحدين من الكفار سنطيعكم في بعض الأمر كانوا يرون أنهم إن غلبوا انقلبوا كما قال الله : (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) [العنكبوت : ١٠] وقال تعالى : (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) [الأحزاب : ١٩]. وقوله : (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) كأنه تعالى قال : هب أنهم يسرون والله لا يظهره اليوم فكيف يبقى مخفيا وقت وفاتهم؟! أو نقول : لما قال الله تعالى : والله يعلم إسرارهم أنهم يختارون القتال لما فيه من الضرب والطعن مع أنه مفيد على الوجهين جميعا إن غلبوا في الحال والثواب في المآل ، وإن غلبوا فالشهادة والسعادة ، فكيف حالهم إذا ضرب وجوههم وأدبارهم؟!.
وعلى هذا فيه لطيفة وهي أن القتال في الحال إن أقدم المبارز قد يهزم الخصم ويسلم وجهه وقفاه وإن لم يهزمه فالضرب على وجهه إن ثبت وصبر وإن لم يثبت وانهزم فإن فاته بالهرب فقد سلم وجهه وقفاه وإن لم يفته فالضرب على قفاه لا غير ويوم الوفاة لا نصرة له ولا مفرّ ، فوجهه وظهره مضروب مطعون فكيف يحترز عن الأذى ويختار العذاب الأكبر؟!.
__________________
(١) وهي قراءة سبعية تواترية وانظر السبعة ٦٠١ والكشف ٢ / ٢٧٨ وقد قال مكي : جعلوه مصدر «أسر» ووحد لأنه يدل بلفظه على الكثرة. وقرأ الباقون بفتح الهمزة جعلوه جمع سرّ كعدل وأعدال.
وحسن جمعه لاختلاف ضروب الأسرار من بني آدم. وانظر الإتحاف ٣٩٤.
(٢) في ب تصفون.
(٣) الكشاف ٣ / ٥٣٧ والبحر ٨ / ٨٤ وهي غير متواترة.
(٤) انظر التبيان ١١٦٤.