فصل
المعنى : لنعاملنّكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالجهاد والقتال «حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين» أي علم الوجود والمشاهدة فإنه تعالى قد علمه علم الغيب يريد نبين المجاهد الصابر على دينه من غيره وقوله : (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) أي يظهرها ويكشفها بإباء من يأبى القتال ولا يصبر على الجهاد.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ)(٣٨)
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) قيل : هم أهل الكتاب قريظة والنّضير لأن أهل الكتاب تبين لهم صدق محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقيل : هم كفار قريش. (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) إنما يضرون أنفسهم وهذا تهديد (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) فلا يبقي لهم ثوابا في الآخرة. قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ هم المطعمون يوم بدر. نظيرها قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الأنفال : ٣٦] وقيل : الأعمال ههنا مكايدهم في القتال.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) قال عطاء : بالشك والنفاق. وقال الكلبي : بالرّياء والسمعة. وقال الحسن : بالمعاصي والكبائر. وقال أبو العالية : كان أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب ، كما لا ينفع مع الشّرك عمل فنزلت هذه الآية فخافوا الكبائر أن تحبط الأعمال. وقال مقاتل : لا تمنّوا على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فتبطلوا أعمالكم نزلت في بني أسد قال تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤] فإنه يقول : فعلته لأجل قلبك ولولا أرضاك (١) به لما فعلت وهذا مناف للإخلاص والله لا يقبل إلّا العمل الخالص (٢).
__________________
(١) كذا في النسختين وفي الرازي : رضاك.
(٢) وانظر فيما مضى القرطبي ١٦ / ٢٥٤ و ٢٨ / ٧٠ و ٧١.