قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) قيل : هم أصحاب القليب (١). وقيل : اللفظ عام (٢).
قوله : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) يجوز جزم «تدعوا» عطفا على فعل النهي ونصبه بإضمار أن في جواب النهي. وقرأ أبو عبد الرحمن : بتشديد الدال (٣) فقال الزمخشري : من ادّعى القوم وتداعوا مثل ارتموا الصّيد ، وتراموا (٤). وقال غيره : بمعنى تغتروا. وتقدم الخلاف في السّلم (٥).
فصل
لما بين أن عمل الكافر الذي له صورة الحسنات يحبط وذنبه الذي هو أقبح السيئات غير مغفور وأمر بطاعة الله وطاعة الرسول أمر بالقتال فقال : (فَلا تَهِنُوا) أي لا تضعفوا بعدما وجد السبب وهو الأمر بالجدّ والاجتهاد في القتال فقال : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) أي إلى الصلح ابتداء فمنع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا.
قوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) جملة حالية ، وكذلك (وَاللهُ مَعَكُمْ) وأصل الأعلون الأعليون فأعلّ (٦).
قال ابن الخطيب : أصله في الجمع الموافق أعليون ومصطفيون فسكنت الياء لكونها حرف علة تحرك ما قبله والواو كانت ساكنة فالتقى ساكنان فلم يكن بدّ من حذف أحدهما وتحريك الآخر والتحريك كان قد ثبت في المحذور (٧) الذي اجتنب منه فوجب الحذف (٨)(٩) والواو فيه كانت لمعنى لا يستفاد إلّا منها وهو الجمع فأسقطت الياء وبقي أعلون. وبهذا الدليل صار في الجرّ أعلين ومصطفين. ومعنى الأعلون الغالبون قال الكلبي : أخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات (وَاللهُ مَعَكُمْ) بالعون والنّصرة.
__________________
(١) المراد به قليب بدر.
(٢) السابق من القرطبي.
(٣) وهي شاذة انظر مختصر ابن خالويه ١٤١ ، والكشاف ٣ / ٥٣١ وانظر الإعراب فيه أيضا.
(٤) الكشاف السابق.
(٥) في قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً» ٢٠٨ من البقرة.
(٦) استثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمع ساكنان لام الكلمة وواو الجماعة فحذفت اللام ـ وهي ياء الكلمة ـ ففيه إعلال بالحذف.
(٧) في النسختين المحذوف.
(٨) حذف الياء والواو كانت فيه لمعنى لا يستفاد إلا منها وهو الجمع فأسقطت الياء وبقي «أعلون».
وانظر الإمام الرازي ٢٨ / ٧٣.
(٩) القرطبي ١٦ / ٢٥٧.