تقدم الكلام على قوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) مشبعا في آل عمران (١).
وقوله : «تدعون» أي إلى الإنفاق إما في سبيل الله بالجهاد وإما صرفه إلى المستحقين من إخوانكم. قوله : (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) بما فرض عليه من الزكاة (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) أي إن ضرر ذلك البخل عائد إليه فلا تظنوا أنهم ينفقون على غيرهم بل لا ينفقونه إلا على أنفسهم فإن من يبخل بأجرة (الطّبيب) (٢) وثمن الدواء وهو مريض فلا يبخل إلا على نفسه ثم حقق ذلك بقوله : (وَاللهُ الْغَنِيُّ) أي غير محتاج إلى مالكم وأتمه بقوله : (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) إليه وإلى ما عنده من الخير حتى لا تقولوا بأنا أغنياء عن القتال ودفع حاجة الفقراء (٣).
قوله : (يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) بخل وضنّ يتعديان ب «على» تارة وب «عن» أخرى(٤). والأجود أن يكون (٥) حال تعديهما ب «عن» مضمّنين معنى الإمساك.
قوله : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) هذه (الجملة الشرطية (٦) عطف على) الشرطية قبلها. و (ثُمَّ لا يَكُونُوا) عطف على «يستبدل» (٧).
فصل
ذكر بيان الاستغفار كما قال تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [فاطر : ١٦] قال المفسرون : إن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم بل يكونوا أمثل منكم وأطوع لله منكم. قال الكلبي : هم كندة والنّخع.
وقال الحسن : هم العجم. وقال عكرمة : فارس (والروم) (٨) لما روى أبو هريرة أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ تلا قوله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) قال يا رسول الله : من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ، ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب
__________________
(١) عند قوله : «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ» من الآية ٦٦ منها. والهاء حرف تنبيه و «أنتم» مبتدأ «وهؤلاء» خبره و «أولاء» لغة الحجاز والقصر لغة تميم ويقال : ألّاك بالتشديد وأولالك وأولئك وكلها واردات. (بتصرف من من الهمع للسيوطي ١ / ٧٥).
(٢) سقط من ب.
(٣) وانظر الرازي ٢٨ / ٧٥ المرجع السابق.
(٤) قاله الزمخشري في الكشاف ثم أبو حيان في البحر انظر الكشاف ٣ / ٥٤٠ والبحر ٨ / ٨٦.
(٥) كذا في النسخ والأوضح : أن يكونا أي بخل وضن.
(٦) ما بين القوسين الكبيرين ساقط من ب وما بين القوسين الصغيرين زيادة عن السياق لتوضيحه.
(٧) البحر ٨ / ٨٦ السابق.
(٨) سقط من ب وانظر هذه الآراء في الجامع للقرطبي ١٦ / ٣٥٨ والكشاف للزمخشري ٣ / ٥٤٠ والبحر لأبي حيان ٨ / ٨٦.