وقد يقال : إنّ هذا ليس بنصب وإنما هو بقاء الفتح الذي كان قبل نون التوكيد بقي ليدل عليها ولكنه قول مردود.
فصل
لم يكن للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ذنب فماذا يغفر له؟ فقيل : المراد ذنب المؤمنين. وقيل : المراد ترك الأفضل. وقيل : الصغائر فإنها جائزة على الأنبياء بالسهو والعمد. قال ابن الخطيب : وهي تصونهم عن العجب. وقيل : المراد بالمغفرة العصمة. ومعنى قوله : (وَما تَأَخَّرَ) قيل : إنه وعد النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بأنه لا يذنب بعد النّبوّة. وقيل : ما تقدم على الفتح. وقيل : هو للعموم ، يقال : اضرب من لقيت ومن لا تلقاه مع أن من لا تلقاه لا يمكن ضربه إشارة إلى العموم. وقيل : من قبل النبوة وبعدها ومعناه ما قبل النبوة بالعفو وما بعدها بالعصمة. وفيه وجوه أخر ساقطة. قال ابن الخطيب : منها قول بعضهم : ما تقدم من أمر «مارية» (١)(وَما تَأَخَّرَ) من أمر «زينب»(٢) وهو أبعد الوجوه وأسقطها لعدم التئام الكلام.
قوله : (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) قيل : إنّ التكاليف عند الفتح تمّت حيث وجب الحجّ ـ وهو آخر التكاليف والتكليف نعمة ـ وقيل : يتم نعمته عليك بإخلاء الأرض من معانديك ، فإنّ من يوم الفتح لم يبق للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عدوّ ، فإن بعضهم قتل يوم بدر ، والباقون آمنوا واستأمنوا يوم الفتح (٣). وقيل : ويتم نعمته عليك في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا باستجابة دعائك في طلب الفتح ، وفي الآخرة : بقبول شفاعتك.
فصل
قال الضحاك : إنّا فتحنا لك فتحا مبينا بغير قتال ، وكان الصلح من الفتح. فإن كانت (٤) اللام في قوله : «ليغفر» لام كي فمعناه إنّا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح. وقال الحسن بن الفضل : هو مردود إلى قوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ، وَما تَأَخَّرَ) ، و (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
وقال محمد بن جرير : هو راجع إلى قوله : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) [النصر : ١ ـ ٣] ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك في الجاهلية قبل الرسالة (وَما تَأَخَّرَ) إلى وقت نزول هذه السورة. وقيل : ما تأخر مما يكون. وهذا على طريقة من يجوز الصغائر على الأنبياء. وقال سفيان
__________________
(١) القبطية.
(٢) بنت جحش.
(٣) الرازي ٢٨ / ٧٨.
(٤) في ب فإن قلت.