الثّوريّ : (ما تَقَدَّمَ) مما عملت في الجاهلية (وَما تَأَخَّرَ) كل شيء لم تعمله كما تقدم.
وقال عطاء الخراساني : (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) يعني ذنب أبويك آدم وحوّاء ببركتك ، (وَما تَأَخَّرَ) ذنوب أمتك بدعوتك. (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بالنبوة والحكمة (١).
قوله : (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) قيل : يهدي بك. وقيل : يديمك على الصراط المستقيم (٢) ، وقيل جعل الفتح سبب الهداية إلى الصراط المستقيم لأنه سهل على المؤمنين الجهاد لعلمهم بفوائده (و) (٣) العاجلة والآجلة. وقيل : المراد التعريف ، أي لتعرف أنك على صراط مستقيم (٤). ثم قال : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) غالبا. وقيل : معزّا ؛ لأن بالفتح ظهر (٥) النصر (٦).
فإن قيل : إنّ الله تعالى وصف النّصر بكونه عزيزا والعزيز من له النصر!
فالجواب من وجهين :
أحدهما : قال الزمخشري : إنه يحتمل وجوها ثلاثة :
الأول : معناه نصرا ذا عزة ، كقوله : (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١] أي ذات رضا.
الثاني : وصف النصر بما يوصف به المنصور إسنادا مجازيا يقال له كلام صادق كما يقال له متكلم صادق.
الثالث : المراد نصرا عزيزا صاحبه (٧).
الوجه الثاني : أن يقال : إنما يلزم ما ذكره الزمخشريّ إذا قلنا : العزة هي الغلبة والعزيز الغالب. وأما إذا قلنا : العزيز هو النفيس القليل النظير ، أو المحتاج إليه القليل الوجود ، يقال : عزّ الشّيء في سوق كذا أي قلّ وجوده مع أنه محتاج إليه ، فالنصر كان محتاجا إليه ومثله لم يوجد وهو أخذ بيت الله من الكفار المقيمين (٨) فيه من غير عدد ولا عدد (٩).
فصل في البحث المعنوي
وهو أن الله تعالى لما قال : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) أبرز الفاعل وهو
__________________
(١) ذكر هذه الآراء القرطبي في الجامع ١٦ / ٢٦٢ و ٢٦٣.
(٢) هذا رأي الرازي في تفسيره ٢٨ / ٧٨.
(٣) زيادة لا معنى لها من أ.
(٤) ذكرهما أيضا الرازي في مرجعه السّابق.
(٥) في ب حصل.
(٦) قاله الرازي أيضا في مرجعه السابق.
(٧) بلفظ الرازي ٢٨ / ٧٩ وبمعنى كلام الزمخشري فقد قال : «نصرا عزيزا فيه عزّ ومنعة ، أو وصف بصفة المنصور إسنادا مجازيا ، أو عزيزا صاحبة» الكشاف ٣ / ٥٤١.
(٨) في الرازي المقيمين.
(٩) مع تغيير طفيف في عبارة الرازي. وانظر التفسير الكبير ٢٨ / ٧٨ و ٧٩.