جهنم ؛ لأن الله تعالى ينزّل جنود الرحمة ليدخل المؤمن معظما مكرما الجنة ، ثم يلبسهم خلع الكرامة بقوله : (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) ثم يقربهم زلفى بقوله : (وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) وأما في حق الكفار فيغضب الله عليهم أولا فيبعدهم ويطردهم إلى البلاد النائية عن الرحمة وهي جهنم ، ثم يسلط عليهم ملائكة العذاب وهم جنود الله كما قال تعالى : (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ) [التحريم : ٦] فلذلك ذكر جنود الرحمة أولا هناك ، وقال ههنا : (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ) وهو الإبعاد إلى جهنم ثم ذكر الجنود وهم (الملائكة) ملائكة العذاب آخرا.
قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(١٠)
قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) على أمتك بما يفعلون ، كما قال تعالى : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة : ١٤٣] أنه لا إله إلا الله وكما قال تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) [آل عمران : ١٨]. وهم الأنبياء «ومبشّرا» من قبل شهادته ويحكم بها «ونذيرا» لمن ردّ شهادته (١).
ثم بين فائدة الإرسال فقال : (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ) أي تعينوه وتنصروه «وتوقّروه» أي تعظموه (٢) وتفخموه ، هذه الكنايات راجعة إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (٣) ـ وههنا وقف. ثم قال وتسبحوه ، أي تسبحوا الله ، يريد يصلوا له بكرة وأصيلا بالغداة والعشيّ. وقيل : الكنايات راجعة إلى الله تعالى (٤) ، أي ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروا الله بتقوية دينه ، ويوقروا الله الذي يعظّموه.
قوله : «لتؤمنوا» قرأ ابن كثير وأبو عمرو ليؤمنوا وما بعده بالياء من (٥) تحت رجوعا إلى قوله المؤمنين والمؤمنات. والباقون بتاء الخطاب (وقرأ (٦) الجحدريّ يعزّروه بفتح
__________________
(١) انظر الرازي ٢٨ / ٨٥.
(٢) وهو قول الحسن والكلبي.
(٣) وعزاه الإمام القرطبي في الجامع إلى الضحاك.
(٤) وعزي إلى الإمام القشيري ـ رحمة الله على الجميع ـ انظر القرطبي ١٦ / ٢٦٧.
(٥) وهي قراءة سبعية متواترة ، انظر الكشف لمكي ٢ / ٢٨٠ والقرطبي ١٦ / ٢٦٧ قال : وهو اختيار أبي عبيد واختار أبو حاتم قراءة الخطاب. وانظر أيضا السبعة ٦٠٢ ، والإتحاف ٣٩٥.
(٦) ما بين القوسين كله سقط من نسخة ب.