قوله (تعالى) (١) : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ) يعني يوسف بن يعقوب من قبل موسى بالبينات ، ونقل الزمخشري أنه قبل يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نيفا وعشرين سنة وقيل : إن فرعون موسى هو فرعون يوسف بقي حيّا إلى زمانه ، وقيل : هو فرعون آخر (٢). والمقصود من الكل شيء واحد هو أن يوسف جاء قومه بالبينات وهي قوله تعالى : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ)(٣) [يوسف : ٣٩]. والأولى أن يراد بها المعجزات.
واعلم أن مؤمن آل فرعون لما قال لهم : ومن يضلل الله فما له من هاد ذكر هذا المثال وهو أن يوسف جاءهم بالبينات الباهرة فأصروا على التكذيب ولم ينتفعوا بتلك الدلائل ، وهذا يدل على (أن) (٤) من أضله الله فما له من هاد ، ثم قال : (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) قال ابن عباس ـ (رضي الله عنه ـ) (٥) : من عبادة الله وحده لا شريك له ، فلم ينتفعوا ألبتة بتلك البينات.
قوله (حَتَّى إِذا) غاية لقوله (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ) ، فلما هلك (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) أي أقمتم على كفركم ، وظننتم أن الله تعالى لا يجدد عليكم الحجة ، وقرىء ألن (٦) يبعث الله بإدخال همزة التقرير يقرّر بعضهم بعضا.
قوله : «كذلك» أي الأمر كذلك (٧) ، أو مثل هذا الضلال يضل الله كل مسرف كذاب في عصيانه مرتاب في دينه ، فقوله (يُضِلُّ اللهُ) مستأنف ، أو نعت مصدر أي مثل إضلال الله إياكم حين لم تقبلوا من يوسف يضل الله من هو مسرف (٨).
ثم بين تعالى ما لأجله بقوا في ذلك الشك والإسراف فقال : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ) أي بغير حجة إما بناء على التقليد ، وأما بناء على شبهات خسيسة.
قوله : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ) يجوز فيه عشرة أوجه :
أحدها : أنه بدل من (٩) قوله (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) وإنما جمع اعتبارا بمعنى «من» (١٠).
__________________
(١) زيادة من (أ).
(٢) ذكر هذه الأقوال الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٢٦ والرازي تبعا له في تفسيره ٢٧ / ٦٢.
(٣) رأي الرازي السابق.
(٤) سقط من (أ).
(٥) زيادة من (أ).
(٦) قراءة شاذه غير متواترة لم يحددها أبو حيان في البحر ٧ / ٤٦٤ وكذلك الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٢٧.
(٧) التبيان ١١١٩.
(٨) الدر المصون ٤ / ٦٩٣.
(٩) وهو قول الزمخشري في الكشاف المرجع السابق ، ومكي في المشكل ٢ / ٢٦٦ ، وأبو البقاء في التبيان لم يذكره بل ذكر أوجها أخر ، كما قال بالبدلية ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٣١ ، والنحاس في الإعراب ٤ / ٣٣ والزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٨٤.
(١٠) الكشاف ٣ / ٤٢٧.