قوله : (وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ). قرىء : وزين مبنيا للفاعل (١) أي الشيطان أو فعلكم زين ذلك الظن في قلوبكم (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) وذلك أنهم قالوا : إن محمدا وأصحابه أكلة رأس فلا يرجعون فأين تذهبون معه؟ انتظروا ما يكون من أمرهم (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) أي صرتم هلكى لا تصلحون لخير (٢). وقيل : كنتم على بابها من الإخبار بكونهم في الماضي كذا (٣). والبور الهلاك. وهو يحتمل أن يكون هنا مصدرا أخبر به عن الجمع كقوله :
٤٤٩٠ ـ يا رسول الإله إنّ لساني |
|
راتق ما فتقت إذ أنا بور (٤) |
ولذا يستوي فيه المفرد والمذكر وضدهما. ويجوز أن يكون جمع بائر كحائل وحول في المعتل(٥) وبازل وبزل في الصحيح (٦).
قوله : (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) يجوز أن يكون (من) (٧) شرطية أو موصولة. والظاهر (٨) قائم مقام العائد على كلا التقديرين أي فإنا أعتدنا لهم. وفيه فائدة وهي التعميم كأنه قال : ومن لم يؤمن بالله ورسوله فهو من الكافرين وإنّا أعتدنا للكافرين سعيرا (٩).
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ذكر هذه بعد ذكر من له أجر عظيم من المبايعين ومن له في السعير عذاب أليم من الظالمين الضالين. وذلك يفيد عظمة الأمرين جميعا ، لأن من عظم ملكه يكون أجره وهيبته في غاية العظمة وعذابه وعقوبته في غاية الألم.
قوله تعالى : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً
__________________
(١) لم ينسبها أبو حيان في البحر ٨ / ٩٢ ولا الزمخشري في الكشاف ٣ / ٥٤٤.
(٢) وهو رأي مجاهد وقتادة. انظر القرطبي ١٦ / ٢٦٩.
(٣) قال بذلك العلم أبو حيان في البحر المحيط ٨ / ٩٣.
(٤) بيت من الخفيف لعبد الله بن الزّبعرى وينسب لأمية بن أبي الصلت وليس في ديوانه. والشاهد : بور فهو مصدر بمعنى هالك وأخبر في الآية بهذا المصدر عن الجمعية أي هالكون. وانظر مجمع البيان للطبرسي ٩ / ١٧٣ والهمع ٣ / ٢٢٦ والقرطبي ١٦ / ٢٦٩ والبحر ٨ / ٩٣.
(٥) معتل العين المنقلبة همزة.
(٦) المرجعين السابقين.
(٧) زيادة للسياق وتوضيحه.
(٨) وهو الكافرين.
(٩) الرازي ٢٨ / ٨٩ ، ٩٠.