واختلفوا فيها فقال ابن عباس والحسن ومقاتل : هي فارس والروم ، وما كانت العرب تقدر على قتال فارس والروم ، بل كانوا حولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام. وقال الضّحّاك وابن زيد : هي خيبر وعدها الله ـ عزوجل ـ نبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قبل أن يصيبها ولم يكونوا يرجونها. وقال قتادة : هي مكّة. وقال عكرمة : حنين. وقال مجاهد : وما فتحوا حتى اليوم ، (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً)(١).
قوله تعالى : (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني أسدا وغطفان وأهل خيبر (لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) ، قال ابن الخطيب : وهذا يصلح جوابا لمن يقول : كفّ الأيدي عنهم كان أمرا اتفاقيا ، ولو اجتمع عليهم العرب كما زعموا (٢) لمنعوهم من فتح خيبر واغتنام غنائمها ، فقال : ليس كذلك بل سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون والغلبة واقعة للمسلمين ، فليس أمرهم أمرا اتفاقيا ، بل هو أمر إلهيّ محكوم به محتوم (٣). ثم قال (لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً).
قول : (سُنَّةَ اللهِ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة المقدمة ، أي سنّ الله ذلك سنة (٤). قال ابن الخطيب : وهذا جواب عن سؤال آخر يقوله قوم من الجهّال وهو : إن الطّوالع والتأثيرات والاتّصالات (٥) تأثيرات وتغييرات فقال : ليس كذلك ، بل سنة الله نصرة رسله ، وإهلاك عدوه(٦) ، والمعنى : هذه سنة الله في نصرة أوليائه ، وقهر أعدائه (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً).
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(٢٦)
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) وهذا تبيين لما تقدم من قوله : (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ)
__________________
(١) القرطبي ١٦ / ٢٧٨.
(٢) كذا في النسختين وفي تفسير الرازي : عزموا.
(٣) المرجع السابق.
(٤) قاله في الكشاف ٣ / ٥٤٧.
(٥) في تفسيره : الطوالع لها تأثيرات والاتصالات لها تغيرات.
(٦) المرجع السابق.