الْحَرامِ) أن تطوفوا فيه «والهدي» أي وصدوا الهدي وهي البدن التي ساقها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكانت سبعين بدنة «معكوفا» محبوسا ، يقال : عكفه عكفا إذا حبسه ، وعكوفا ، كما يقال : رجع رجعا ورجوعا (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) منحره (١) ، وحيث يحلّ نحره يعني الحرم. ثم قال : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) يعني المستضعفين بمكة (٢)).
قوله : (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) صفة للصّنفين ، وغلب الذكور ، وقوله : (أَنْ تَطَؤُهُمْ) يجوز أن يكون بدلا م ن «رجال ونساء» ، وغلب الذكور ـ كما تقدم ـ وأن يكون بدلا من مفعول تعلموهم ، فالتقدير على الأول : ولولا وطء رجال ونساء غير معلومين ، وتقدير الثاني : لم تعلموا وطأهم ، والخبر محذوف تقديره : ولولا نساء ورجال موجودون أو بالحضرة (٣).
(وأما جواب (٤) «لو لا» ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه محذوف ، لدلالة جواب «لو» عليه.
والثاني : أنه مذكور وهو «لعذّبنا» وجواب «لو» هو المحذوف فحذف من الأول لدلالة الثاني ، ومن الثاني لدلالة الأول.
والثالث : أن «لعذبنا» جوابهما معا. وهو بعيد إن أراد حقيقة ذلك (٥).
وقال الزمخشري قريبا من هذا فإنه قال : ويجوز أن يكون : (لَوْ تَزَيَّلُوا) كالتكرير للولا رجال مؤمنون لمرجعهما إلى معنى واحد ، ويكون (لَعَذَّبْنَا) هو الجواب (٦).
ومنع أبو حيان مرجعهما لمعنى واحد ، قال : لأن ما تعلق به الأوّل غير ما تعلّق به الثاني)(٧).
فصل
المعنى (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) لم تعرفوهم (أَنْ تَطَؤُهُمْ) بالقتل وتوقعوا بهم. (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ). قال ابن زيد : إثم وذلك لأنكم ربما تقتلوهم فيلزمكم الكفّارة ، وهي دليل الإثم ، لأن الله تعالى أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يعلم إيمانه الكفارة دون الدّية ؛ قال تعالى : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)
__________________
(١) قاله الفراء في المعاني ٣ / ٦٨.
(٢) وانظر القرطبي أيضا ١٦ / ٢٨٣ ، ٢٨٤.
(٣) قال بهذه الإعرابات أبو البقاء العكبري في التبيان ١١٦٧.
(٤) ما بين القوسين كله من هنا إلى نهاية القوس الآتي بعد ساقط من نسخة (ب).
(٥) انظر التبيان ١١٦٧ وقد قال بالإعرابات السابقة أيضا أبو حيان في البحر ٨ / ٩٨.
(٦) الكشاف ٣ / ٥٤٨.
(٧) وقال : «فالمعنى في الأولى ولولا وطء قوم مؤمنين والمعنى في الثانية لو تميزوا من الكفار وهذا معنى مغاير للأول مغايرة ظاهرة» انظر البحر ٨ / ٩٨.