أحدها : أنه ذكره تعظيما (١) للعباد الأدب كقوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٣ و ٢٤].
الثاني : أن الدخول لما وقع عام الحديبية وكان المؤمنون يريدون الدخول ، ويأبون الصلح قال : لتدخلنّ ولكن لا بجلادتكم ولا بإرادتكم وإنما تدخلنّ بمشيئة الله (تعالى (٢). الثالث : أن الله تعالى لما قال في الوحي المنزّل على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لتدخلن» ذكر أنه بمشيئة الله) تعالى ، لأن ذلك من الله وعد ، ليس عليه دين ولا حقّ واجب ؛ لأن من وعد بشيء لا يحققه إلا بمشيئة الله ، وإلا فلا يلزمه به أحد.
فصل (٣)
قال البغوي : معناه وقال لتدخلن. وقال ابن كيسان : لتدخلنّ من قول رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأصحابه حكاية عن رؤياه ، فأخبر الله عن رسوله أنه قال ذلك ، وإنما استثنى مع علمه بدخولها بإخبار الله تعالى تأدبا بأدب الله تعالى حيث قال : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(٤). وقال أبو عبيدة : «إلّا» بمعنى إذ مجازه إذ شاء الله (٥) كقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٢٧٨] وقال الحسين بن الفضل : يجوز أن يكون الاستثناء من الدخول لأن بين الرؤيا وتصديقها سنة ومات في السنة ناس فمجاز الآية لتدخلن المسجد الحرام كلكم إذ شاء الله. وقيل : الاستثناء واقع على الأمر لا على الدخول ؛ لأن الدخول لم يكن فيه شك كقول النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عند دخول القبر : «وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» فالاستثناء راجع إلى اللحوق لا إلى الموت (٦)).
قوله : «آمنين» حال من فاعل لتدخلنّ وكذ ا «محلّقين ومقصّرين». ويجوز أن تكون «محلّقين» حالا من «آمنين» فتكون متداخلة.
فصل
قوله : (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) إشارة إلى أنكم تتمون الحج من أوله إلى آخره فقوله : «لتدخلنّ» إشارة إلى الأول وقوله : «محلقين» إشارة إلى الآخر.
فإن قيل : محلقين حال الداخلين ، والدّاخل لا يكون إلا محرما والمحرم لا يكون محلّقا.
__________________
(١) في الرازي : تعليما وليس تعظيما. وكذا في ب تعليما.
(٢) ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.
(٣) هذا الفصل بأكمله سقط من نسخة ب.
(٤) نقله عنه إمام قرطبة في جامعه ١٦ / ٢٩٠.
(٥) لم أجده في المجاز عند تفسير تلك الآية وانظر القرطبي المرجع السابق.
(٦) نقل كل هذه الآراء القرطبي في مرجعه السابق. أقول : وجعل أن بمعنى إذ فيه بعد ؛ لأن إذ في الماضي من الفعل ، و «إذا» في المستقبل ، وهذا الدخول في المستقبل. فوعدهم دخول المسجد.