(فالجواب : أن قوله : «آمنين» متمكّنين من أن تتمّوا الحجّ محلّقين) (١).
قوله : (لا تَخافُونَ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون حالا ثالثة ، وأن يكون حالا (إما) (٢) من فاعل لتدخلن ، أو من ضمير «آمنين» أو «محلّقين أو مقصرين» فإن كانت حالا من آمنين أو حالا من فاعل لتدخلن فهي حال للتأكيد وآمنين حال مقارنة وما بعدها حال مقدرة إلا قوله : (لا تَخافُونَ) إذا جعل حالا فإنها مقارنة أيضا (٣).
فإن قيل : قوله : (لا تَخافُونَ) معناه غير خائفين ، وذلك يحصل بقوله تعالى : (آمِنِينَ) فما الفائدة في إعادته؟
فالجواب : أن فيه كمال الأمن ؛ لأن بعد الحلق يخرج الإنسان عن الإحرام فلا يحرم عليه القتال ولكن عند أهل مكة يحرم قتال من أحرم ومن دخل الحرم فقال : تدخلون آمنين وتحلقون ، ويبقى أمنكم بعد إحلالكم من الإحرام.
قوله : (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) أي ما لم تعلموا من المصلحة ، وأن الصلاح كان في الصلح ، وأن دخولكم في سنتكم سبب لوطء المؤمنين والمؤمنات وهو قوله تعالى : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ...) الآية.
(فإن قيل (٤) : الفاء في قوله : «فعلم» فاء التعقيب ، فقوله «فعلم» عقبت ماذا؟.
فالجواب : إن قلنا : إن المراد من «فعلم» وقت الدخول فهو عقيب صدق ، وإن قلنا : المراد فعلم المصلحة فالمعنى علم الوقوع والشهادة لا علم الغيب. والتقدير : لما حصلت المصلحة في العام القابل فعلم ما لم تعلموا من المصلحة المتجددة.
(فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ) أي من قبل دخولهم المسجد الحرام (فَتْحاً قَرِيباً) وهو فتح الحديبية عند الأكثرين. وقيل : فتح خيبر. ثم قال : (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) وهذا يدفع وهم حدوث علمه في قوله : «فعلم» ؛ لأن قوله : (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) يفيد سبق علمه) (٥).
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً)(٢٨)
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) وهذا تأكيد ليان صدق الله في
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من نسخة ب.
(٢) سقط من ب كذلك.
(٣) التبيان ١١٦٨ ومعنى الحال المؤكدة أنها تؤكد مضمون الجملة أو عاملها أو صاحبها وهي التي أهملها النحويون أما الحال المقارنة والمقدرة فهي بالنسبة للزّمان والمقارنة هي الأغلب عن المقدرة وهي المستقبلة نحو : «هذا بَعْلِي شَيْخاً». انظر الهمع بتصرف ١ / ٢٤٥.
(٤) ما بين القوسين كله سقط من ب.
(٥) قاله الرازي ٢٨ / ١٠٥ و ١٠٦.