الرؤيا ؛ لأنه لما كان مرسلا لرسوله (١) ليهدي ، لا يريد ما لا يكون فيحدث (٢) الناس فيظهر خلافه فيكون ذلك سببا للضلال. ويحتمل أن الرؤيا الموافقة للواقع قد تقع لغير المرسل ، لكن ذلك قليل لا يقع لكل أحد فقال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) وحكى له ما سيكون في اليقظة فلا يبعد أن يريه في المنام ما سيقع ولا استبعاد في صدق رؤياه وفيها بيان وقوع الفتح ودخول مكة بقوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي من يقويه على الأديان لا يستبعد منه فتح مكة. والهدى يحتمل أن يكون هو القرآن كقوله تعالى : (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) [البقرة : ١٨٠] وعلى هذا دين الحق هو ما فيه من الأصول والفروع. ويحتمل أن يكون الهدى هو المعجزة أي أرسله بالمعجزة. فيكون قوله : (وَدِينِ الْحَقِّ) إشارة إلى ما شرع. ويحتمل أن يكون الهدى هو الأصول ودين الحق هو الأحكام. والألف واللام في «الهدى» يحتمل أن تكون للعهد وهو كقوله (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) [الأنعام : ٨٨] وأن تكون للتعريف أي كل ما هو هدى.
قوله : (وَدِينِ الْحَقِّ) يحتمل أن يكون المراد دين الله تعالى ؛ لأن الحق من أسماء الله ، ويحتمل أن يكون الحقّ نقيض الباطل ، فكأنه قال : دين الأمر الحق ، ويحتمل أن يكون المراد الانقياد للحق ، وقوله : أرسله بالهدى ـ وهو المعجزة ـ على أحد الوجوه (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي جنس الدين (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) على أنك صادق فيما تخبر وفي أنك رسول الله. وهذا فيه تسلية قلب المؤمنين فإنهم تأذوا (٣) من ردّ الكفّار عليهم العهد المكتوب وقالوا : لا نعلم أنه رسول الله فلا تكتبوا محمد رسول الله ، بل اكتبوا محمد بن عبد الله ، فقال تعالى : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي في أنه رسول الله (٤).
قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(٢٩)
قوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ؛ لأنه لما تقدم (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) دل على ذلك المقدر ، أي هو أي الرسول بالهدى محمد و (رَسُولُ اللهِ) بدل أو بيان ، أو نعت. وأن يكون مبتدأ وخبرا ، وأن يكون مبتدأ و (رَسُولُ اللهِ) على ما تقدم من البيان والبدل ، والنعت (وَالَّذِينَ مَعَهُ) عطف على محمد والخبر «عنهم» (٥).
__________________
(١) في ب رسوله من دون لام.
(٢) كذا في ب وفي الرازي : مهديّا للناس.
(٣) في ب يؤذوا. تحريف.
(٤) وانظر الرازي ٢٨ / ١٠٦.
(٥) قال بهذه الإعرابات العكبري في التبيان ١١٦٨ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٥٥٠. ونقله أبو حيان في البحر ٨ / ١٠١.