و (فِي وُجُوهِهِمْ) خبر «سيماهم» و (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) حال من الضمير المستتر في الجار وهو (فِي وُجُوهِهِمْ)(١). وقرأ العامة «من أثر» بفتحتين. وابن هرمز بكسر وسكون(٢). وقتادة «من آثار» جمعا (٣).
فصل
المعنى : علامتهم في وجوههم من أثر السجود. وقيل : المراد سيماهم نور وبياض في وجوههم يوم القيامة كما قال تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران : ١٠٦]. رواه عطية العوفيّ عن ابن عباس. وقال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس : استنارة وجوههم من كثرة صلاتهم. وقال شهر بن حوشب : تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر. وروى الوالبيّ عن ابن عباس : هو السّمت الحسن والخشوع والتواضع وهو قول مجاهد. والمعنى أن السجود أورثهم الخشوع والسّمت الحسن الذي يعرفون به. وقال الضحاك : صفرة الوجوه. وقال الحسن ـ رضي الله عنه ـ : إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى. وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هو أثر التراب على الجباه. وقيل : المراد ما يظهر في الجباه بكثرة السجود (٤).
قوله : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ) ، «ذلك» إشارة إلى ما تقدم من وصفهم بكونهم أشدّاء رحماء لهم سيما في وجوههم وهو مبتدأ خبره «مثلهم» و (فِي التَّوْراةِ) حال من «مثلهم» والعامل معنى الإشارة.
قوله : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه مبتدأ وخبره «كزرع» فيوقف على قوله : (فِي التَّوْراةِ) فهما مثلان. وإليه ذهب ابن عباس ـ (رضي الله عنهما (٥)) (٦) ـ.
والثاني : أنه معطوف على «مثلهم» الأول فيكون مثلا واحدا في الكتابين ويوقف حينئذ على : في الإنجيل وإليه نحا مجاهد (٧) ، والفراء (٨).
وعلى هذا يكون قوله «كزرع» فيه أوجه :
أحدها : أنه خبر مبتدأ مضمر أي مثلهم كزرع فسر بها المثل المذكور.
__________________
(١) التبيان ١١٦٨ و ١١٦٩.
(٢ و ٣) كلتاهما شاذّتان. وانظر البحر ٨ / ١٠٢ والكشاف ٣ / ٥٥٠.
(٤) انظر هذه الأقوال في القرطبي ١٦ / ٢٩٣ و ٢٩٤.
(٥) زيادة من أالأصل.
(٦) القرطبي ١٦ / ٢٩٤.
(٧) السابق.
(٨) قال في المعاني ٣ / ٦٩ : «وقوله : ذلك مثلهم في التّوراة وفي الإنجيل أيضا كمثلهم في القرآن» وانظر أيضا البحر ٨ / ١٠٢ والتبيان ١١٦٩.