وعلى هذا فهو مجاز ليس المراد نفس التقديم بل المراد لا تجعلوا لأنفسكم تقدما عند النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقال : لفلان تقدم من بين الناس إذا ارتفع أمره ، وعلا شأنه (١). وقرىء : لا تقدموا ـ بضم التاء وكسر الدال ـ من أقدم أي لا تقدموا على شيء (٢).
فصل
في بيان حسن الترتيب وجوه :
أحدها : أنهم في السورة المتقدمة (٣) لما جرى منهم ميل إلى الامتناع مما أجاز النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (٤) ـ من الصلح ، وألزمهم الله كلمة التقوى قال لهم على سبيل العموم : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله أي لا تتجاوزوا ما أتى من الله تعالى ورسوله.
الثاني : أنه تعالى لما بين علو درجة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بكونه رسوله الذي يظهر دينه وأنه بالمؤمنين رحيم قال : لا تتركوا من احترامه شيئا لا بالفعل ولا بالقول وانظروا إلى رفعة درجته.
الثالث : أنه تعالى وصف المؤمنين بأنهم أشداء ورحماء فيما بينهم وبكونهم راكعين ساجدين (٥) وذكر أن لهم من الحرمة عند الله ما أورثهم حسن الثناء في الكتب المتقدمة بقوله : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) ، فإن الملك العظيم لا يذكر أحدا في غيبته إلا إذا كان عنده محترما ووعدهم بالأجر العظيم فقال في هذه السورة لا تفعلوا ما يوجب انحطاط درجاتكم وإحباط حسناتكم (ولا تقدموا) (٦).
فصل في سبب النزول
روى الشعبي عن جابر أنه في الذبح يوم الأضحى قبل الصلاة وهو قول الحسن أي لا يذبحوا قيل أن يذبح النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وذلك أن ناسا ذبحوا قبل النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأمرهم أن يعيدوا الذّبح ، وقال : «من ذبح قبل الصّلاة فإنّما هو لحم عجّله لأهله ليس من النّسك في شيء». وروي عن مسروق عن عائشة أنه في النهي عن صوم الشك أي لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم. وروى ابن الزبير أنه قدم ركب من بني تميم على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد بن زرارة. وقال عمر : بل أمر الأقرع بن حابس. قال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ، قال عمر : ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) ؛ قال (ابن (٧)) الزبير : فكان
__________________
(١) البحر والرازي ٢٨ / ١١٣.
(٢) ذكرها الإمام الفخر الرازي في تفسيره السابق دون نسبة وهي شاذة.
(٣) وهي سورة محمد.
(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٥) في ب وساجدين.
(٦) زيادة من أكالرازي تماما.
(٧) سقطت من أالأصل.