عمر لا يسمع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (بعد (١) هذه الآية) حتى يستفهمه. وقيل : نزلت في جماعة أكثروا من السؤال. وقال مجاهد : لا تفتاتوا (٢) على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بشيء حتى يقضيه الله على لسانه. وقال الضحاك : يعني في القتال وشرائع الدين ، أي لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله. قال ابن الخطيب : والأصحّ أنه إرشاد عام يشتمل الكل ومنع مطلق يدخل فيه كل افتيات وتقدّم واستبداد بالأمر وإقدام على فعل غير ضروري من غير مشاورة (٣).
فصل
ومعنى بين يدي الله ورسوله أي بحضرتهما ؛ لأن ما (٤) يحضره الإنسان فهو بين يديه ناظر إليه. وفي قوله : (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) فوائد :
إحداها : أن قول الإنسان فلان بين يدي فلان إشارة إلى أن كل واحد منهما حاضر عند الآخر مع أن لأحدهما علو الشأن وللآخر درجة العبيد والغلمان ؛ لأن من يجلس بجنب الإنسان(٥) يكلفه تقليب الحدقة (٦) إليه وتحريك الرأس إليه عند الكلام ومن يجلس بين يديه لا يكلفه ذلك ولأن اليدين (٧) تنبىء عن القدرة لأن قول الإنسان : فلان بين يدي فلان أي يقلّبه كيف يشاء في أشغاله كما يفعل الإنسان بما يكون موضوعا بين يديه وذلك يفيد وجوب الاجتناب من التّقدّم.
وثانيها : ذكر الله إشارة إلى وجوب احترام الرسول والانقياد لأوامره ، لأن احترام الرسول احترام للمرسل ، لكن احترام الرسول قد يترك لأجل بعد المرسل وعدم اطّلاعه على ما يفعل برسوله فقوله : (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ) أي أنتم بحضرة من الله وهو ناظر إليكم. وفي مثل هذه الحال يجب احترام رسوله.
وثالثها : أن العبارة (٨) كما تقرر النهي المتقدم تقرر الأمر المتأخّر ، وهو قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) لأن من يكون بين يدي الغير كالمتاع الموضوع بين يديه يقلبه كيف يشاء يكون جديرا بأن يتقيه (٩) ، وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) أي في تضييع حقه ، ومخالفة أمره (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالكم ، «عليم» بأفعالكم.
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من نسخة ب. وانظر الفقرة أو الفصل الأول في الرازي ٢٨ / ١١٠ والثاني في القرطبي ١٦ / ٣٠٠ و ٣٠١ والبغوي في معالم التنزيل ٦ / ٢١٨.
(٢) أي لا تبتدعوا من افتات الكلام ابتدعه.
(٣) الرازي السابق.
(٤) وفي ب من التي للعاقل وهو رأي الرازي في مرجعه السابق.
(٥) في ب إنسان منكرا.
(٦) وهي العين.
(٧) في ب إليه بدل اليدين.
(٨) في النسختين العادة وفي الرازي : العبادة.
(٩) وانظر هذا كله في تفسير الإمام ٢٨ / ١١٣.