قوله (تعالى (١)) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) في إعادة النداء فوائد منها أن في ذلك بيان زيادة الشفقة على المسترشد ، كقول لقمان لابنه : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ) [لقمان : ١٣] (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) [لقمان : ١٦] (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) [لقمان : ١٧] ، لأن النداء تنبيه للمنادى ليقبل على استماع الكلام ويجعل باله منه ، فإعادته تفيد تجدد ذلك. ومنها : أن لا يتوهم متوهم أن المخاطب ثانيا غير المخاطب الأول ، فإن من الجائز أن يقول القائل : يا زيد افعل كذا وكذا يا عمرو ، فإذا أعاد مرة أخرى وقال : يا زيد قل كذا (يا زيد (٢) قل كذا (وقل كذا)) يعلم أن المخاطب أولا هو المخاطب ثانيا. ومنها أن يعلم أن كل واحد من الكلامين مقصود ، وليس الثاني تأكيدا للأول كقولك : يا زيد لا تنطق ولا تتكلّم إلا الحق فإنه لا يحسن أن تقول : يا زيد لا تنطق يا زيد لا تتكلّم كما يحسن عند اختلاف المطلوبين.
فصل
قوله : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) يحتمل أن يكون المراد حقيقة رفع الصوت ، لأن ذلك يدل على قلة الاحتشام ، وترك الاحترام ، وهو أن رفع الصوت يدل على عدم الخشية ؛ لأن من خشي قلبه ارتجف وضعفت حركته الدافعة فلا يخرج منه الصوت بقوة ، ومن لم يخف ثبت قلة الاحتشام ، وترك الاحترام ، وهو أن رفع الصوت يدل على عدم الخشية ؛ لأن من خشي قلبه ارتجف وضعفت حركته الدافعة فلا يخرج منه الصوت بقوة ، ومن لم يخف ثبت قلبه وقويت حركته الدافعة ، وذلك دليل على عدم الخشية. ويحتمل أن يكون المراد المنع من كثرة الكلام ، لأن من كثر كلامه يكون متكلما عند سكوت الغير فيبقى لصوته ارتفاع وإن كان خائفا فلا ينبغي أن يكون لأحد عند النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كلام كثير بالنسبة إلى كلام النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (٣) ـ مبلّغ فالمتكلم عنده إن أراد الإخبار لا يجوز له ، وإن سأل فإن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (٤) ـ لمّا وجب عليه البيان فهو لا يسكت عما سئل ، وإن لم يسأل فربما يكون في الجواب تكليف لا يسهل على المكلف الإتيان به فيبقى في ورطة العقاب كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) [المائدة : ١٠١].
ويحتمل أن يكون المراد رفع الكلام بالتعظيم ، أي لا تجعلوا لكلامكم ارتفاعا على كلام النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الخطاب. والأول أوضح والكل يدخل في المراد (٥). قال المفسرون : معناه بجّلوه وفخّموه ولا ترفعوا أصواتكم عنده ولا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا (٦). وروى أنس بن مالك (رضي الله عنه (٧)) قال : لما نزل قوله
__________________
(١) زيادة من أ.
(٢) ما بين القوسين الكبيرين زيادة على الرازي وما بين القوسين الصغيرين هما اللذان في ب.
(٣) في ب عليه الصلاة والسلام.
(٤) في ب عليه الصلاة والسلام كذلك.
(٥) وانظر تفسير الإمام ٢٨ / ١١٢ و ١١٣.
(٦) قاله البغوي في تفسيره ٦ / ٢١٩.
(٧) زيادة من أ.