فصل
قد تقدم الكلام في الطبع (١) ، والرّين (٢) ، والقسوة (٣) ، قال أهل السنة : قوله : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ) يدل على أن الكل من عند الله. وقالت المعتزلة : الآية تدل على أن هذا الطبع إنما حصل ، لأنه كان في نفسه متكبرا جبارا. قال ابن الخطيب : وعند هذا تصير الآية حجة لكل واحد من الفريقين من وجه ، وعليه من وجه آخر ، والقول الثاني يخرج عليه رجحان مذهبنا ، وهو أنه تعالى يخلق دواعي الكبر والرياسة في القلب فتصير تلك الدواعي مانعة من حصول ما يدعو إلى الطاعة ، والانقياد لأمر الله ، فيكون القول بالقضاء والقدر حقا (٤) ، فيكون تعليل القلب بكونه متكبرا متجبرا باقيا ، فثبت أن القول بالقضاء والقدر هو ما ينطبق عليه لفظ القرآن من أوله لي آخرة (٥).
فصل
قال مقاتل : الفرق بين المتكبر ، والجبار ، أن المتكبر عن قبول التوحيد ، والجبار في غير حق. قال ابن الخطيب : كمال السعادة في أمرين : التعظيم لأمر الله ، والشفقة على خلق الله فعلى قول مقاتل المتكبر كالمضاد للتعظيم لأمر الله ، والجبروت كالمضاد للشفقة على خلق الله (٦).
قوله تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ)(٣٧)
قوله تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً ...) الآية. قال المفسرون : إن فرعون قال لوزيره هامان : ابن لي صرحا ، والصرح : البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر ، وإن بعد. وأصله من التّصريح ، وهو الإظهار (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ) طرقها (٧).
فإن قيل : ما فائدة هذا التكرير؟ ولو قيل : لعلّي أبلغ أسباب السماوات كان كافيا؟
فأجاب الزمخشري عنه فقال : «إنه إذا أبهم الشيء ، ثم أوضح كان تفخيما لشأنه ، فلما أراد تفخيم السماوات أبهمها ثم أوضحها» (٨).
__________________
(١) من قوله : «بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ» [النساء : ١٥٥].
(٢) من نفس السورة فقد قيل : إن الرين هو الطبع وقال مجاهد : الرين أسهل من الطبع والطبع أيسر من الإقفال والإقفال أشد من ذلك كله.
(٣) والقسوة الغلظة قال : «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ».
(٤) في الرازي حيّا.
(٥) الرازي ٢٧ / ٧٣.
(٦) السابق.
(٧) نقله البغوي في تفسيره ٦ / ٩٥.
(٨) كشافه ٣ / ٤٢٧.