إذا اعتبرتهم مع غيرها. فقوله تعالى : (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) إشارة إلى ما ذكرنا.
الثالث : لعل فيهم من رجع عن ذلك الأمر ، ومنهم من استمر على تلك العادة الرّديئة فقال : أكثرهم إخراجا لمن ندم (١) منهم عنهم.
قوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) تقدم مثله. وجعله الزمخشري فاعلا بفعل مقدر أي ولو ثبت صبرهم. وجعل اسم أن (٢) ضميرا عائدا على هذا الفاعل (٣). وقد تقدم أن مذهب سيبويه أنها في محل رفع بالابتداء وحينئذ يكون اسم «أنّ» ضميرا عائدا على صبرهم المفهوم من الفعل.
قوله : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يحتمل أمرين :
أحدهما : غفور لسوء صنعهم في التعجيل.
وثانيهما : لحسن الصبر يعني بسبب إتيانهم بما هو خير يغفر الله لهم سيئاتهم. ويحتمل أن يكون ذلك حثّ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على الصلح. وقوله : (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) كالصبر لهم (٤).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٨)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) قال المفسرون : نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو أخو عثمان لأمه بعثه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى بني المصطلق بعد الموقعة واليا ومصدقا ، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية فلما سمع به القوم تلقّوه تعظيما لأمر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فحثه (٥) الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقال : إنهم منعوا صدقاتهم وأراد قتلي ، فغضب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهمّ أن يغزوهم فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقالوا : يا رسول الله : سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى فأبطأ في الرجوع فخشينا أنه إنما ردّه من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله. فاتّهمهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وبعث خالد بن الوليد
__________________
(١) في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام ٢٨ / ١١٧.
(٢) في النسختين «كان» والأصح ما أثبت أعلى فهو من قوله «وَلَوْ أَنَّهُمْ».
(٣) قال : في موضع الرفع على الفاعلية لأن المعنى ولو ثبت صبرهم.
(٤) الرازي ٢٨ / ١١٨.
(٥) في ب فحدثه.