قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) فاتقوا الله أن تقولوا باطلا أو تكذّبوه فإن الله يخبره ويعرفه أحوالكم فتفتضحوا.
قوله : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) يجوز أن يكون حالا إما من الضمير المجرور في قوله : «فيكم» وإمّا من المرفوع المستتر في «فيكم» لوقوعه خبرا. ويجوز أن يكون مستأنفا (١) ، إلا أنّ الزمخشري منع هذا ، لأدائه إلى تنافر النظم (٢). ولا يظهر ما قاله بل الاستئناف واضح أيضا (٣). وأتى بالمضارع بعد «لو» دلالة على أنه كان في إرادتهم استمرار عمله على ما يستصوبون.
فصل
نقل ابن الخطيب أن الزمخشريّ قال : وجه التعليق هو أن قوله : (لَوْ يُطِيعُكُمْ) في تقدير حال الضمير المرفوع في قوله : فيكم ، والتقدير : كائن فيكم أو موجود فيكم على حال تريدون أن يطيعكم أو يفعل باستصوابكم فلا ينبغي أن يكون على تلك الحال لو فعل ذلك لعنتّم أي (٤) وقعتم في شدة أو أثمتم وهلكتم والعنت الإثم والهلاك.
ثم قال : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ). وهذا خطاب مع بعض المؤمنين غير المخاطبين بقوله : (لَوْ يُطِيعُكُمْ). قال الزمخشري : اكتفى بالتغاير في الصفة واختصر ، ولم يقل : حبّب إلى بعضكم الإيمان وقال أيضا بأن قوله تعالى : (لَوْ يُطِيعُكُمْ) بدل «أطاعكم» إشارة إلى أنهم كانوا يريدون استمرار تلك الحالة ودوام النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على العمل باستصوابهم لكن يكون ما بعدها على خلاف ما قبلها. وههنا كذلك وإن لم يحصل المخالفة بصريح اللفظ ؛ لأن اختلاف المخاطبين في الوصف يدلنا على ذلك ، لأن المخاطبين أولا بقوله : (لَوْ يُطِيعُكُمْ) هم الذي أرادوا أن يكون عملهم لمراد النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هذا ما قاله الزمخشري (٥) ، واختاره وهو حسن قال : والذي يجوز أن يقال وكأنه هو الأقوى أن الله تعالى قال : إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا واكشفوا. (ثم (٦)) قال بعده :
__________________
(١) قال بهذه الإعرابات العكبري في التبيان ١١٧١ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٥٦٠.
(٢) قال : الجملة المصدرة بلو لا تكون كلاما مستأنفا لأدائه إلى تنافر النظم ولكن متصلا بما قبله حالا من أحد الضميرين في «فيكم» المستتر ، المرفوع أو البارز المجرور وكلاهما مذهب سديد.
والمعنى : أن فيكم رسول الله على حالة يجب عليكم تغييرها أو أنتم على حالة يجب عليكم تغييرها. انظر الكشاف ٣ / ٥٦٠.
(٣) فقد قال أبو حيان ٨ / ١١٠ : والظاهر أن قوله : «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ» كلام تام أمرهم بأن يعلموا أن الذي هو بين ظهرانيكم هو رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فلا تخبروه بما لا يصح فإنه رسول الله يطلعه على ذلك ثم أخبر أن رسوله لو أطاعكم في كثير لعنتم.
(٤) الرازي ٢٨ / ١٢٢.
(٥) بالمعنى من الكشاف ٣ / ٥٦٠ و ٥٦١ وباللفظ من الرازي السابق.
(٦) زيادة من ب.