(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) أي الكشف سهل عليكم بالرجوع إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فإنه فيكم مبيّن مرشد ، وهذا كما يقول القائل عند اختلاف تلاميذ الشيخ في مسألة : هذا الشّيخ قاعد ، لا يريد به بيان قعوده وإنما يريد أمرهم بمراجعته ؛ لأن المراد لا يطيعكم في كثير من الأمر ، وذلك لأن الشيخ إذا كان يعتمد على قول التلاميذ لا يطمئن قلوبهم بالرجوع إليه وإن (١) كان لا يذكر إلا للنقل الصحيح وتقريره بالدليل القوي يراجعه كل أحد فكذلك ههنا فاسترشدوه فإنه يعلم ولا يطيع أحدا فلا يوجد فيه حيف ولا يروج عليه زيف. والذي يدل عليه أن المراد من قوله : لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم لبيان امتناع الشرط لامتناع الجزاء ، كما في قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] وقوله : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] وذلك يدل على أنه ليس فيهما آلهة وأنه ليس من عند غير الله (٢).
قوله : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) هذا استدراك من حيث المعنى لا من حيث اللفظ لأن من حبب إليه الإيمان غايرت صفته صفة من تقدّم ذكره.
فصل
(حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) فجعله أحبّ الأديان إليكم «وزيّنه» حسنه (فِي قُلُوبِكُمْ) حتى اخترتموه (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ) قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ يريد الكذب «والعصيان» جميع معاصي الله. ثم عاد من الخطاب إلى الخبر فقال : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)(٣).
فصل
قال ابن الخطيب بعد ذكره الكلام المتقدم : وهذا معنى الآية جملة فلنذكره تفصيلا في مسائل :
المسألة الأولى : لو قال قائل : إذا كان المراد بقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) الرجوع إليه فلم لم يصرح بقوله : «فتبيّنوا» وراجعوا النبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ؟ وما الفائدة في العدول إلى هذا المجاز؟ نقول : فائدته زيادته التأكيد لأنّ قول القائل في المثال المتقدم : هذا الشيخ قاعد آكد في وجوب المراجعة من قوله : راجعوا شيخكم ؛ لأن القائل يجعل (٤) وجوب مراجعته متفقا عليه ويجعل (٥) سبب عدم الرجوع عدم علمهم
__________________
(١) في ب : وإذا.
(٢) قاله الحبر الفهامة الإمام الفخر في تفسيره الكبير ٢٨ / ١٢٢.
(٣) القرطبي ١٦ / ٣١٤ والبغوي والخازن ٦ / ٢٢٣.
(٤) كذا في أوالرازي وفي ب فعل.
(٥) اتفاق من ب وأ وكلاهما اتفاق للرازي.