ويجوز أن ينتصب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة ، لأنها فضل أيضا ، إلا أنّ ابن عطية جعله من المصدر المؤكد لنفسه. وجوز الحوفيّ أن ينتصب على الحال وليس بظاهر ويكون التقدير متفضلا منعما أو ذا فضل ونعمة (١) قال ابن الخطيب : ويجوز أن يكون فضلا مفعولا به والفعل مضمرا دل عليه قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) وهم يبتغون فضلا من الله ونعمة (٢) ، قال : لأن قوله : فضلا من الله إشارة إلى ما هو من جانب الله المغني. والنعمة إشارة إلى ما هو من جانب العبد من اندفاع الحاجة. وهذا يؤكد قولنا : أن ينتصب «فضلا» بفعل مضمر وهو الابتغاء والطّلب (٣).
ثم قال : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) وفيه مناسبات :
منها : أنه تعالى لما ذكر نبأ الفاسق قال : فلا يعتمد على ترويجه عليكم الزّور فإن الله عليم ، ولا يقل كقول المنافق : (لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) فإن الله حكيم لا يفعل إلا على وفق حكمته.
وثانيها : لما قال تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ) بمعنى لا يطيعكم بل يتبع الوحي (فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) يعلم من يكذبه «حكيم» بأمره بما تقتضيه الحكمة (٤).
قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(١٠)
قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ...) الآية. لما حذر المؤمنين من النبأ الصادر من الفاسق أشار إلى ما يلزم منه استدراكا لما يفوت فقال : فإن اتفق أنكم تبنون على قول من يوقع بينكم من الأمر المفضي إلى اقتتال طائفتين من المؤمنين (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) أي الظالم يجب عليكم دفعه ثم إن الظالم إن كان هو الرعية فالواجب على الأمير دفعهم وإن كان هو الأمير فالواجب على المسلمين دفعه بالنصيحة فما فوقها وشرطه أن لا يثير فتنة مثل التي في اقتتال الطائفتين أو أشد منهما (٥).
فصل
الضمير في قوله : «اقتتلوا» عائد على أفراد الطائفتين كقوله (تعالى) (٦) : (هذانِ
__________________
(١) المرجع السابق.
(٢) الرازي ٢٨ / ١٢٥.
(٣) نفسه ٢٨ / ١٢٦.
(٤) السابق.
(٥) كذا في الرازي وفي النسختين منها بالإفراد.
(٦) زيادة من أ.