خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) [الحج : ١٩] والضمير في قوله : «بينهما» عائد على اللفظ. وقرأ ابن أبي عبلة : اقتتلتا (١) مراعيا للّفظ. وزيد بن علي وعبيد بن عمرو اقتتلا (٢) أيضا إلا أنه ذكر الفعل باعتبار الفريقين ، أو لأنه تأنيث مجازي.
فصل
روى أنس ـ (رضي الله عنه) (٣) ـ قال : قيل للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : لو أتيت عبد الله بن أبيّ (ابن سلول) فانطلق إليه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وركب حمارا (وانطلق المسلمون (٤) يمشون معه) وهو بأرض سبخة ، فلما أتاه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : إليك عنّي والله لقد آذاني نتن حمارك فقال رجل من الأنصار منهم : والله لحمار رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أطيب ريحا منك ، فغضب لعبد الله رجل من قومه فتشاتما فغضب لكل واحد منهم أصحابه ، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنّعال فنزلت : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) فقرأها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فاصطلحوا وكف بعضهم عن بعض. وقال قتادة : نزلت في رجلين من الأنصار كان بينهما مداراة (٥) في حق بينهما فقال أحدهما للآخر : لآخذنّ حقّي منك عنوة لكثرة عشيرته وإن الآخر دعاء ليحاكمه إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأبى أن يتبعه فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال و (إن) (٦) لم يكن قتال بالسيوف. وقال سفيان عن السدي : كانت امرأة من الأنصار يقال لها : أم زيد تحت رجل وكان بينها وبين زوجها شيء فرقي بها إلى علّيّة وحبسها فبلغ ذلك قومها فجاءوا وجاء قومه فاقتتلوا بالأيدي والنّعال فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) أي بالدعاء إلى حكم كتاب الله والرّضا بما فيه لهما وعليهما (٧).
فصل
قوله : (وَإِنْ طائِفَتانِ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) إشارة إلى ندرة وقوع الاقتتال بين طوائف المسلمين.
فإن قيل : نحن نرى أكثر الاقتتال في طوائفهم؟
فالجواب : أن قوله تعالى : (إِنْ) إشارة إلى أنه لا ينبغي أن لا يقع إلا نادرا ،
__________________
(١ و ٢) القراءتان كلتاهما شاذتان انظر البحر ٨ / ١١٢ وقد ذكر القرطبي في الجامع ١٦ / ٣١٦ القراءة الأولى فقط.
(٣) زيادة من أ.
(٤) ما بين القوسين ساقط من أ.
(٥) في البغوي : مباراة.
(٦) لفظ «إن» زيادة من النسختين على رواية البغوي وغيره.
(٧) وانظر معالم التنزيل على لباب التأويل للخازن ٦ / ٢٢٤. وقد رواه البغوي عن أبيّ عن أنس رضي الله عنهما أقصد الحديث الأول.