الأمر بالعدل وقال : وأقسطوا أي في (كل) (١) أمر فإنه مفض إلى أشرف درجة وأرفع منزلة وهي محبة الله. والإقساط إزالة القسط وهو الجور والقاسطّ هو الجائر (٢).
قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) أي في الدين ، والولاية. قال بعض أهل اللغة : الإخوة جمع الأخ ، من النّسب والإخوان جمع الأخ من الصّداقة ، والله تعالى قال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) تأكيدا للأمر وإشارة إلى أن ما بين الإخوة من الإسلام والنسب لهم كالأب. قال قائلهم ـ (رحمة الله عليه) (٣) ـ :
٤٥٠٢ ـ أبي الإسلام لا أب لي سواه |
|
إذا افتخروا بقيس أو تميم (٤) |
قوله : (بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) العامة على التثنية. وزيد بن ثابت وعبد الله وحمّاد بن سلمة وابن سيرين : إخوانكم جمعا على فعلان (٥). وقد تقدم أن الإخوان تغلب في الصداقة والإخوة في النسب ، وقد تعكس كهذه الآية. وروي عن أبي عمرو وجماعة : إخوتكم بالتاء من فوق (٦). وقد روي عن ابن عمرو أيضا القراءات الثلاث (٧).
فصل
المعنى : فاتقوا الله ولا تعصوه ولا تخالفوا أمره (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» (٨).
فإن قيل : عند إصلاح الفريقين والطائفتين لم يقل : اتّقوا وقال ههننا اتّقوا مع أنّ ذلك أهم؟
فالجواب : أنّ الاقتتال بين طائفتين يفضي إلى أن تعمّ المفسدة ويلحق كل مؤمن منها
__________________
(١) زيادة للسياق.
(٢) وانظر الرازي ٢٨ / ١٢٨ و ١٢٩.
(٣) زيادة من أ.
(٤) من بحر الطويل وهو لنهار بن توسعة. وأنشده المؤلف حملا على ما أنشده الرازي من أن الإسلام هو السيّد ، وهو كل شيء. وانظر البيت في الكتاب ٢ / ٢٨٢ والهمع ١ / ١٤٥ وشرح مفصل الزمخشري لابن يعيش ٢ / ١٠٤ والرازي ٢٨ / ١٢٩ وفيه الشاهد النحوي المشهور في لا النافية للجنس وهو ما نحن لسنا بصدده.
(٥) ذكر هذه القراءة صاحب الإتحاف ٣٩٧ وما ذكره المؤلف أعلى موافق لما في البحر ٨ / ١١٢. وهي شاذة. وقد ذكر القرطبي في الجامع ١٦ / ٣٢٣ أن ابن سيرين قرأ : إخوتكم القراءة الآتية.
(٦) أورد أبو حيان في البحر وابن مجاهد في السبعة ٦٠٦ أنها لابن عامر وحده بينما قال أبو حيان : والحسن أيضا وابن عامر في رواية وزيد بن علي ويعقوب.
(٧) البحر المحيط ٨ / ١١٢.
(٨) أخرجه البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٢٢٥ ، عن سالم عن أبيه.