شيء وكل يسعى في الإصلاح لأمر نفسه فلم يؤكد بالأمر بالتقوى وأما عند تخاصم رجلين لا يخاف الناس ذلك وربما يريد بعضهم تأكد الخصام بين الخصوم لغرض فاسد ، فقال : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ) أو يقال : قوله : وأصلحوا إشارة إلى الإصلاح ، وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) إشارة إلى ما يصيبهم عن المشاجرة ، وإيذاء قلب الأخ ؛ لأن من اتقى الله شغله تقواه عن الاشتغال بغيره ، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» فالمسلم يكون مقبلا على عبادة الله مشتغلا بعيبه عن عيوب الناس (١).
فصل
في هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان ، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين ، ويدل عليه ما روى الحارث الأعور أن عليّ بن أبي طالب سئل وهو القدوة في قتال أهل البغي عن أهل الجمل وصفّين أمشركون هم؟ فقال : لا ؛ من الشرك فروا فقيل : أمنافقون؟ فقال : (لا) (٢) إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا. قيل : فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا والباغي في الشرع هو الخارج على إمام العدل ، فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة إمام العدل بتأويل محتمل ونصّبوا إماما بالحكم فيهم أن يبعث الإمام إليهم وبدعوهم إلى طاعته فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم وإن لم يذكروا مظلمة وأصروا على بغيهم قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته (٣). وحكم قتالهم مذكور في كتب الفقه (٤).
فصل
«إنّما» للحصر أي الإخوة الآتين من المؤمنين (٥). فلا أخوّة بين المؤمن والكافر ولهذا إذا مات المسلم وله أخ كافر يكون ماله للمسلمين ، ولا يكون لأخيه الكافر ، وكذلك الكافر ، لأن في النسب المعتبر الأب الشرعي حتى إنّ ولدي الزّنا من ولد رجل واحد لا يتوارثان ، فكذلك الكفر لأن الجامع الفاسد لا يفيد الأخوّة ولهذا من مات من الكفار وله أخ مسلم ولا وارث له من النسب لا يجعل ماله للكفار ، ولو كان الدّين يجمعهم يرثه الكفار ومال المسلم للمسلمين عند عدم الوارث.
فإن قيل : إذا ثبت أن أخوّة الإسلام أقوى من أخوّة النسب بدليل أنّ المسلم يرثه المسلمون إذا لم يكن له أخوة نسبيّة ولا يرث الأخ الكافر من النسب فلم لا يقدمون
__________________
(١) الرازي ٢٨ / ١٢٩ ، ١٣٠.
(٢) سقط من ب حرف «لا».
(٣) انظر البغوي ٦ / ٢٢٥.
(٤) فهو لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ولا يذّفف على جريحهم. وانظر المرجع السابق. وفيه كلام آخر.
(٥) أي لا أخوّة إلا بين المؤمنين هكذا ذكر الرازي.