نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)(١٢)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ...) الآية تقدم الخلاف في «قوم» وجعله الزمخشري ههنا جمعا لقائم قال : كصوم وزور جمع صائم وزائر. (و) فعل ليس من أبنية التكسير إلا عند الأخفش نحو : ركب ، وصحب. والسخرية هو أن لا ينظر الإنسان إلى أخيه بعين الإجلال ، ولا يلتفت إليه ويسقطه عن درجته ، وحينئذ لا يذكر ما فيه من المعايب. ومعنى الآية لا تحقروا إخواتكم ولا تستصغروهم.
فصل
قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (١) ـ : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر ، فكان إذا أتى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه فيستمع (٢) ما يقول ، فأقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر ، فلما انصرف النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم (٣) ـ من الصلاة أخذ (٤) أصحابه مجالسهم فضنّ كل رجل بمجلسه ، فلا يكاد يوسع أحد لأحد وكان الرجل إذا جاء ولم يجد مجلسا قام قائما فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يتخطى رقاب الناس (ويقول) (٥) : تفسّحوا تفسّحوا فجعلوا يتفسّحون حتى انتهى إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وبينه وبينه رجل فقال له : تفسّح فقال له الرجل : قد أصبت مجلسا فاجلس فجلس ثابت خلفه مغضبا فلما انجلت الظّلمة غمز ثابت الرجل فقال : من هذا فقال : أنا فلان فقال له ثابت : ابن فلانة؟ ذكر أمّا له كان يعيّر بها في الجاهلية ، فنكس الرجل رأسه ، فاستحيا. فأنزل الله تعالى هذه الآية (٦). وقال الضّحّاك : نزلت في وفد تميم كانوا يستهزئون بفقراء أصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مثل عمّار ، وخبّاب وبلال ، وصهيب ، وسلمان ، وسالم مولى حذيفة ، لما رأوا من رثاثة حالهم (٧).
قوله : (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) قرأ أبي وعبد الله بن مسعود عسوا وعسين (٨)
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) وفيها : فيسمع.
(٣) وفيها : ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
(٤) وفيها : فأخذ.
(٥) زيادة للسياق.
(٦) البغوي والخازن في معالم التنزيل ولباب التأويل ٦ / ٢٢٥ و ٢٢٦.
(٧) المرجعين السابقين.
(٨) ذكرها الفراء في معاني القرآن ٣ / ١٧٢ وأبو حيان في البحر المحيط ٨ / ١١٢. وهي شاذّة.