عبتم أنفسكم أي كل واحد عاب كل واحد فصرتم عائبين من وجه معيّبين من وجه. وهذا الوجه ههنا ظاهر ولا كذلك في قوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(١).
فصل
قال : (وَلا تَنابَزُوا) ولم يقل : ولا تنبزوا لأن اللامز إذا لمز فالملموز قد لا يجد فيه في الحال عيبا يلمزه به وإنما يبحث ويتتبّع ليطلع منه على عيب فيوجد اللمز في جانب. وأما النّبز فلا يعجز كل أحد عن الإتيان بنبز ، فالظاهر أن النّبز يفضي في الحال إلى التّنابز ، ولا كذلك اللمز.
فصل
قال المفسرون : اللقب هو أن يدعى الإنسان بغير ما يسمّى به ، وقال عكرمة : هو قول الرجل للرجل يا فاسق ، يا منافق ، يا كافر. وقال الحسن : كان اليهودي والنصرانيّ يسلم ، فيقال له بعد إسلامه : يا يهوديّ يا نصرانيّ فنهوا عن ذلك ، وقال عطاء : هو أن يقول الرجل لأخيه : يا حمار يا خنزير. وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) (٢) : التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعيّر بما سلف من عمل (٣).
قوله : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) أي بئس الاسم أن يقول له : يا يهوديّ يا فاسق بعد ما آمن. وقيل : معناه من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا اسم الفسوق. ثم قال : (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) أي من ذلك (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ ...) الآية. قيل : نزلت في رجلين اغتابا رفيقهما ، وذلك أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان إذا غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما ويتقدم لهما إلى المنزل فيهيّىء لهما طعامهما وشرابهما فضم سلمان الفارسي إلى رجلين في بعض أسفاره فتقدم سلمان الفارسي إلى المنزل فغلبته عيناه فلم يهيّىء لهما فلما قدما قالا له ما صنعت شيئا؟ قال : لا غلبتني عيناي ، قالا له : انطلق إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ واطلب لنا منه طعاما ، فجاء سلمان إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وسأله طعاما ، فقال له رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : انطلق إلى أسامة بن زيد وقل له : إن كان عند فضل من طعام فليعطك ، وكان أسامة خازن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعلى رحله فأتاه فقال ما عندي شيء فرجع سلمان إليهما فأخبرهما فقالا : كان عند أسامة ولكن بخل
__________________
(١) وانظر الرازي ٢٨ / ١٣٢.
(٢) سقط من ب.
(٣) قاله البغوي في معالم التّنزيل والخازن في لباب التّأويل ٦ / ٢٢٦ و ٢٢٧.