فبعثا سلمان إلى طائفة من الصّحابة فلم يجد عندهم شيئا فلما رجع قالوا : بعثناه إلى بئر (١) سميحة فغار ماؤها ثم انطلقا يتجسّسان هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فلما جاءا إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال لهما : ما لي أرى حضرة اللّحم في أفواهكما؟ قالا : والله يا رسول الله ما تناولنا يومنا هذا لحما قال : (بل) (٢) ظللتم تأكلون لحم أسامة وسلمان. فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ)(٣).
فصل
قال سفيان الثوري : الظّنّ ظنان :
أحدهما : إثم وهو أن يظنّ ويتكلم به.
والآخر : ليس بإثم وهو أن يظن ، ولا يتكلم به ، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إيّاكم والظّنّ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث».
قوله : «إثم» جعل الزمخشري همزه بدلا من واو قال : لأنه يثم الأعمال أي يكسرها (٤) وهذا غير مسلّم بل تلك مادة أخرى (٥).
قوله : (وَلا تَجَسَّسُوا) التجسس التّتبع ، ومنه الجاسوس ، والجسّاسة ، وجواسّ الإنسان وحواسّه ومشاعره (٦) ، وقد قرأ هنا بالحاء الحسن وأبو رجاء وابن سيرين (٧).
فصل
التجسس هو البحث عن عيوب الناس فنهى الله تعالى عن البحث عن المستورين من الناس وتتبع عوراتهم قال عليه الصلاة والسلام : «لا تجسّسوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا» (٨) وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتتبّعوا عوراتهم فإنه من تتبّع عورات المسلمين تتبّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» (٩). ونظر عمر يوما إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة منك عند
__________________
(١) بئر قديمة بالمدينة غزيرة الماء.
(٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(٣) وانظر البغوي والخازن المرجعين السابقين والقرطبي ١٦ / ٣٣١.
(٤) بإحباطه. وانظر الكشاف ٣ / ٥٦٨.
(٥) قال صاحب اللسان : ووثم يثم أي عدا. ونقل الجوهري أن الوثم هو الضرب والكسر. انظر اللسان والصّحاح «وثم».
(٦) فهناك تقارب. وانظر الكشاف ٣ / ٥٦٩.
(٧) ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٤٣. وانظر الكشاف السابق.
(٨) أخرجه البغوي عن أبي الزناد عن الأعرج.
(٩) أخرج عن ابن عمر ، وانظر البغوي المرجع السابق ٦ / ٢٢٨.