حالا فهو كقول القائل : مررت بأخي زيد (قائما) ويريد كون زيد قائما. وذلك لا يجوز.
قلنا : من أكل لحمه فقد أكل فصار الأخ مأكولا مفعولا بخلاف المرور بأخي زيد (١).
فصل
في هذا التشبيه إشارة إلى أن عرض الإنسان كدمه ولحمه لأنّ الإنسان يتألم قلبه من قرض العرض كما يتألم جسمه من قطع اللحم. وهذا من باب القياس الظاهر ؛ لأن عرض الإنسان أشرف من لحمه ودمه فلما لم يحسن من العاقل أكل لحوم الناس لم يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى ، لأن ذلك آلم.
وقوله : (لَحْمَ أَخِيهِ) آكد في المنع ؛ لأن العدو يحمله الغضب على مضغ لحم العدوّ ، وفي قوله : «ميتا» إشارة إلى دفع وهم وهو أن يقال : الشّتم في الوجه يؤلم فيحرم وأما الاغتياب فلا اطلاع عليه للمغتاب فلا يؤلم فقال : آكل لحم الأخ وهو ميت أيضا لا يؤلمه ومع هذا فهو في غاية القبح لما أنّه لو اطلع عليه لتألم فإن الميت لو أحس بأكل لحمه لآلمه ، وفيه معنى لطيف وهو أن الاغتياب بأكل لحم الآدميّ ميتا ولا يحل أكله إلا للمضطر بقدر الحاجة ، والمضطر إذا وجد لحم الشاة الميتة ولحم الآدمي فلا يأكل لحم الآدميّ فكذلك المغتاب إن وجد لحاجته مدفعا غير الغيبة فلا يباح له الاغتياب (٢).
قوله : (فَكَرِهْتُمُوهُ) قال الفراء : تقديره : فقد كرهتموه فلا تفعلوه (٣). وقال ابن الخطيب : الفاء في تقدير جواب كلام كأنه تعالى لما قال : أيحبّ للإنكار فكأنه قال : لا يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه فكرهتموه إذن (٤). وقال أبو البقاء : المعطوف عليه محذوف تقديره عرض عليكم ذلك فكرهتموه. والمعنى يعرض عليكم فتكرهونه (٥).
وقيل : إن صح ذلك عندكم فأنتم (أي) تكرهونه (٦) قال ابن الخطيب : هو كمتعلق المسبّب بالسبب وترقّبه عليه كقولك : جاء فلان ماشيا فتعب ، فقيل : هو خبر بمعنى الأمر كقولهم : «اتّقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه» (٧). وقرأ أبو حيوة والجحدريّ : فكرّهتموه
__________________
(١) فيجوز أن تقول : ضربت وجهه آثما ؛ أي وهو آثم أي صاحب الوجه كما أنك إذا ضربت وجهه فقد ضربته. الرازي المرجع السابق.
(٢) وانظر تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٨ / ١٣٤ و ١٣٥.
(٣) قاله في معاني القرآن له ٣ / ٧٣.
(٤) المرجع قبل السابق.
(٥) التبيان في إعراب القرآن ١١٧١.
(٦) نقله في المرجع السابق دون عزو لأحد. هذا وما بين القوسين زيادة على كتاب التبيان وعلى ذلك فقوله : «فَكَرِهْتُمُوهُ» جملة واقعة جواب شرط لشرط مع فعله محذوف.
(٧) البحر المحيط ٨ / ١١٥ وقد ذكر الوجه السابق أيضا صاحب الكشاف في كشافه ٣ / ٥٦٨. وانظر الرازي ٢٨ / ١٣٥.