قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) عطف على ما تقدم من الأوامر والنواهي أي اجتنبوا واتقوا الله (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) واعلم أنه تعالى ختم الآيتين بذكر التوبة فقال في الأولى : (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وقال ههنا : (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) لكن لما كان الابتداء في الآية الأولى بالنهي في قوله : «و (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) ذكر النفي الذي هو قريب من النهي وفي الثانية كان الابتداء بالأمر في قوله : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً) فذكر الإثبات الذي هو قريب من الأمر.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(١٣)
قوله (تعالى) (١) : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ...) الآية هذه الآية مبينة ومقررة لما تقدم لأن السخرية من الغير والعيب (٢) إن كان بسبب التفاوت في الدين والإيمان فهو جائز ، وكذلك لمزه وغيبته وإن لم يكن بسبب الدين والإيمان فلا يجوز ، لأنّ الناس بعمومهم كافرهم ومؤمنهم يشتركون فيما يفتخر به المفتخر ، لأن التكبر والافتخار إن كان بسبب الغنى فالكافر قد يكون غنيا والمؤمن فقيرا وبالعكس ، وإن كان بسبب النّسب فالكافر قد يكون نسيبا والمؤمن مولى لعبد (٣) أسود وبالعكس فالناس فيما ليس من الدين والتقوى متساوون أو متقاربون ولا يؤثر شيء من ذلك مع عدم التقوى كما قال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) يعني كآدم أي أنكم متساوون في النسب فلا تفاخر لبعض على بعض لكونهم أبناء رجل واحد وامرأة واحدة.
فصل
قال ابن عباس (رضي الله عنهما) (٤) نزلت في ثابت بن قيس وقوله للرجل الذي لم يتفسح له : ابن فلانة فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من الذاكر فلانة؟ قال ثابت : أنا يا رسول الله فقال: انظر في وجوه القوم فنظر ، فقال : ما رأيت يا ثابت؟ قال : رأيت أبيض وأحمر وأسود ، قال : فإنك لا تفضلهم إلا في الدّين والتقوى ، فنزلت هذه الآية ونزل في الذي لم يتفسّح : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا)(٥).
وقال مقاتل : لما كان فتح مكة أمر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بلالا حتى علا ظهر الكعبة
__________________
(١) زيادة من أ.
(٢) في ب وعيبه.
(٣) في ب وعبد أسود.
(٤) زيادة من أوانظر الكلام الأعلى في تفسير الإمام ٢٨ / ١٣٦ ، ١٣٧.
(٥) البغوي والخازن في تفسيريهما ٦ / ٢٢٩ و ٢٣٠.