قوله : «لتعارفوا» العامة على تخفيف التاء ، والأصل : لتتعارفوا فحذف إحدى التاءين(١). والبزّي بتشديدها (٢) وقد تقدم ذلك في البقرة ، واللام متعلّقة «بجعلناكم». وقرأ الأعمش بتاءين وهو الأصل الذي أدغمه البزّي (٣) ، وحذفه الجمهور (٤) ، وابن عباس لتعرفوا مضارع عرف(٥).
فصل
المعنى ليعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده لا لتفاخروا. وقال في أول الآية : خلقناكم وقال ههنا : وجعلناكم شعوبا ، لأن الخلق أصل تفرع عليه الجعل والإيجاد لأجل العبادة ، كما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ،) والجعل شعوبا للتعارف ، والأصل متقدم على الفرع فتعتبر العبادة قبل اعتبار النسب ، لأن اعتبار الجعل شعوبا إنما يتحقق بعد تحقّق الخلق ، وفي هذا إشارة إلى أنّه إن كان فيكم عبادة فتعتبر ، وإلا فلا اعتبار لأنسابكم.
فإن قيل : الهداية والضلال كذلك كقوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) [الإنسان : ٣] (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [النحل : ٩٣] و [النور : ٤٦].
فالجواب : أن الله تعالى أثبت لنا فيه كسبا مبنيّا على فعل لقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) [الإنسان : ٢٩] ثم قال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] وأما في النسب فلا (٦).
قوله : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) أخبر تعالى أن أرفعهم منزلة عند الله أتقاهم. وقال قتادة في هذه الآية : أكرم الكرم التقوى وألأم اللّؤم الفجور. وقال عليه الصلاة والسلام ـ : «الحسب المال والكرم التّقوى». وقال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ : كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى. وعن أبي هريرة ـ (رضي الله عنه (٧)) ـ قال : سئل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : أيّ الناس أكرم؟ قال : أكرمهم عند الله أتقاهم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك قال : فأكرم الناس
__________________
(١) تخفيفا.
(٢) تصبح هكذا : لتّعارفوا وهي شاذة وقد رويت في مختصر ابن خالويه ١٤٤ عن ابن كثير وابن محيصن ومجاهد وهكذا الشأن في البحر المحيط ٨ / ١١٦.
(٣) البحر والمختصر المرجعين السابقين.
(٤) ولكن هكذا : لتتعرّفوا.
(٥) المراجع السابقة. وانظر أيضا الكشاف ٣ / ٥٦٩ وكلها شاذة.
(٦) وانظر الرازي ٢٨ / ١٣٨.
(٧) ما بين الأقواس زيادة من أكالعادة وقد أخرج البغوي في معالم التنزيل هذه الأحاديث ، أخرج الأول عن سمرة بن جندب ، والأخير عن يزيد بن الأصمّ عن أبي هريرة وانظر البغوي والخازن ٦ / ٢٣٠ و ٢٣١.