فالجواب : ذلك غير لازم مع أنه حاصل بدليل قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) [الإسراء : ٧٠] لأن كل من خلق فقد اعترف بربه ، ثم من استمر عليه وزاد زيد في كرامته ، ومن رجع عنه أزيل عن الكرامة.
ثم قال تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) أي عليم بظواهركم يعلم أنسابكم خبير ببواطنكم لا يخفى عليه أسراركم فاجعلوا التقوى زادكم (١).
قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٤)
قوله تعالى (٢) : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) الآية. لما قال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) والاتّقاء لا يكون إلا بعد حصول التقوى وأصله الإيمان والاتّقاء من الشّرك قالت الأعراب يكون لنا النسب الشريف يكون (٣) لنا الشرف قال (٤) الله تعالى : ليس الإيمان بالقول إنما هو بالقلب ، فما آمنتم فإن الله خبير بعلم ما في «الصدور» ولكن قولوا أسلمنا أي انقدنا (٥) وأسلمنا (٦). قيل : نزلت في نفر من بني أسد بن خزيمة ، قدموا على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في سنة مجدبة ، فأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر طالبين الصدقة فأفسدوا طرق المدينة بالقاذورات وكانوا يغتدون (٧) ويروحون إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويقولون : أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها ، وجئناك بالأثقال والعيال والذّراري ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان يمنّون على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويريدون الصدقة ، ويقولون أعطنا ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية. وقال السدي : نزلت في الأعراب الذين ذكرهم الله تعالى في سورة الفتح وهم جهينة ومزينة وأسلم ، وأشجع وغفار وكانوا يقولون : آمنّا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم فلما استنفروا إلى الحديبية تخلفوا فأنزل الله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) صدقنا «قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا» انقدنا (٨) واستسلمنا مخافة القتل والسّبي (٩).
قال ابن الخطيب : وقد بينا أن ذلك كالتاريخ للنزول لا للاختصاص بهم ، فكل من
__________________
(١) انظر الرازي ٢٨ / ١٣٩ و ١٤٠.
(٢) زيادة من الأصل.
(٣) كذا في النسختين وفي الرازي : وإنما يكون لنا الشرف. وانظر الرازي ٢٨ / ١٤٠.
(٤) جواب لما أعلى.
(٥) كذا في الرازي وفي النسختين : أنقذنا.
(٦) وفيه : واستسلمنا بخلاف النسختين : وأسلمنا.
(٧) في ب : يعتذرون تحريف.
(٨) في ب أيضا وأ الأصل أنقذنا والتصحيح من روايات المفسرين كما كتبته أعلى على أن العقل والمعنى يحتمان أن تكون الكلمة انقدنا من الانقياد فعلا ماضيا.
(٩) وانظر أسباب النزول تلك في البغوي والخازن ٦ / ٢٣١ و ٢٣٢ والقرطبي ١٦ / ٣٤٨.