أظهر فعل التقوى أراد أن يصير له ما للمتقي من الإكرام ولا يحصل له ذلك لأن التقوى من عمل القلب (١).
قوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ) هذه الجملة مستأنفة ، أخبر تعالى بذلك. وجعلها الزمخشري حالا مستقرّة في : «قولوا» (٢) وقد تقدم الكلام في «لما» وما تدل عليه ، والفرق بينها وبين «لم» في البقرة عند قوله تعالى : (وَلَمَّا يَأْتِكُمْ) [البقرة : ٢١٤].
وقال الزمخشري : فإن قلت : هو بعد قوله : (لَمْ تُؤْمِنُوا) يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجدّدة!.
قلت : ليس كذلك ، فإن فائدة قوله : لم تؤمنوا هو تكذيب دعواهم. وقوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ) توقيت لما أمروا به أن يقولوه. ثم قال : «ولما (٣) في «لمّا» من معنى التوقع دليل على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعده» (٤) ، قال أبو حيان : فلا أدري من أي وجه يكون النفي (٥) بلمّا يقع بعد؟! (٦). قال شهاب الدين : لأنّها لنفي قد فعل ، وقد للتّوقع.
فصل
قال ابن الخطيب : لم ولمّا حرفا نفي ، وما ، وإن ولا كذلك من حروف النفي ولم ولمّا يجزمان وغيرهما من حروف النفي لا يجزم فما الفرق بينهما؟.
فالجواب : أن لم ولما يفعلان بالفعل ما لا يفعل به غيرهما ، فإنهما يصرفان معناه من الاستقبال إلى النفي تقول : لم يؤمن أمس ، وآمن اليوم ، ولا تقول : لا يؤمن أمس ، فلما فعلا بالفعل ما لم يفعل به غيرهما جزم بهما.
فإن قيل مع هذا : لم جزم بهما؟ غاية ما في الباب أن الفرق حصل ولكن ما الدليل على وجوب الجزم بهما؟ نقول : لأن الجزم والقطع يحصل في الأفعال الماضية ؛ لأنّ من قام فقد حصل القطع بقيامه ولا يجوز أن يكون ما قام ، والأفعال المستقبلة إما متوقعة الحصول وإما ممكنة من غير توقّع ، فلا يمكن الجزم والقطع فيه ، فإذا كان «لمّا ولم» يقلبان اللّفظ من الاستقبال إلى المضيّ أفاد الجزم والقطع في المعنى فجعل له مناسبا والقطع في المعنى فجعل له مناسبا لمعناه وهو الجزم لفظا ، وعلى هذا نقول : إذا كان السبب في الجزم ما ذكرنا فلهذا
__________________
(١) تفسير الإمام الرازيّ ٢٨ / ١٤٠.
(٢) الكشاف ٣ / ٥٧٠.
(٣) في الكشاف : وما في لما. والتصحيح منه.
(٤) الكشاف ٣ / ٥٧٠.
(٥) في البحر : يكون ما نفي بلما.
(٦) ولما إنما تنفي ما كان متصلا بزمان الإخبار ولا تدل على ما ذكر ، وهي جواب لنفي قد فعل ، وهب أن قد تدل على توقع الفعل فإذا نفي ما دل على التوقع فكيف يتوهم أنه يقع بعد؟ وانظر البحر ٨ / ١١٧ أقول : ومذهب أبي حيان ورأيه أن الجملة تلك وهي : «وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ» غير متصلة بما قبلها.