أي لم يمنعني ويحبسني.
فصل
قال ابن الخطيب : معنى قوله : ((لا يَلِتْكُمْ) (١)) لا ينقصكم ، المراد منه أنكم إذا أتيتم بما يليق يضعّفكم من الحسنة فهو يؤتيكم به من الجزاء ؛ لأن من حمل إلى ملك فاكهة طيبة يكون ثمنها في السوق درهما فأعطاه الملك درهما انتسب الملك إلى البخل ، وإنما معناه ألّا يعطي مثل ذلك من غير نقص أي يعطي ما تتوقعون بأعمالكم من غير نقص (٢).
ثم قال : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي يغفر لكم ما قد سلف ويرحمكم بما أتيتم به (٣).
قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)(١٨)
قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) هذا إرشاد للذين قالوا آمنّا ؛ بين لهم حقيقة الإيمان فقال : إن كنتم تريدون الإيمان فالمؤمن من آمن بالله ورسوله (ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) أي لم يشكوا في دينهم وأيقنوا بأن بالإيمان إيقان. و «ثمّ» للتراخي في الحكاية كأنه يقول : آمنوا ثم أقول شيئا آخر لم يرتابوا.
ويحتمل أن تكون للتراخي في الفعل ، أي آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا فيما قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (٤) ـ من الحشر والنّشر (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي أيقنوا أن بعد هذه الدار دار أخرى فجاهدوا طالبين العقبى (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) في إيمانهم.
فإن قيل : كيف يجوز أن يكذبوا في الإسلام ، والإسلام هو الانقياد وقد وجد منهم قولا وفعلا ، وإن لم يوجد اعتقادا أو علما ، وذلك القدر كاف في صدقهم في قولهم : إنّا أسلمنا؟!.
فالجواب : إن التكذيب يقع على وجهين :
أحدهما : إن لا يوجد نفس المخبر عنه.
والثاني : أن لا يوجد كما أخبر في نفسك (٥) ، فقد يقول له : ما جئتنا بل جئت
__________________
(١) زيادة للسياق.
(٢) وانظر تفسيره الكبير ٢٨ / ١٤٢.
(٣) نفسه ٢٨ / ٤٣.
(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٥) في الرازي : نفسه.