للحاجة ، فالله تعالى كذبهم في قولهم : آمنّا على الوجه الأوّل أي ما آمنتم أصلا ، ولم يصدقهم في الإسلام على الوجه الثاني فإنهم انقادوا للحاجة وأخذ الصدقة (١).
فصل
لما نزلت هاتان الآيتان أتت الأعراب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يحلفون بالله أنهم مؤمنون صادقون وعرف الله غير ذلك منهم فأنزل الله : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) ، والتعليم ههنا بمعنى الإعلام فلذلك قال : بدينكم (٢) ، أدخل الباء فيه ؛ لأنه منقول بالتضعيف من علمت به بمعنى شعرت به فلذلك تعدت لواحد بنفسها ، ولآخر بالباء (٣).
والمعنى لا تعرفوا الله بدينكم فإنه عالم به لا يخفى عليه شيء ، لأنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض ، (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لا يحتاج إلى إخباركم.
قوله (تعالى (٤)) : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) يجوز في قوله : أن أسلموا وجهان :
أحدهما : أنه مفعول به لأنّه ضمن يمنون معنى يعيدون كأنه قيل : يعيدون عليك إسلامهم مانّين به عليك ولهذا صرح بالمفعول به في قوله : (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) أي لا تعيدوا عليّ إسلامكم. كذا استدل أبو حيّان (٥).
وفيه نظر ، إذ لقائل أن يقول : لا نسلم انتصاب «إسلامكم» على المفعول به ، بل يجوز فيه المفعول من أجله كما يجوز في محل (أَنْ أَسْلَمُوا) وهو الوجه الثاني (٦) فيه أي يمنون عليك لأجل أن أسلموا فكذلك في قوله : (لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) ، وشروط النصب موجودة والمفعول له متى كان مضافا استوى جرّه بالحرف ونصبه.
قوله : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ) يعني لا منّة لكم علينا أصلا ، بل المنة عليكم حيث بينت لكم الطرق المستقيم.
قوله : (أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) إعرابه كقوله : (أَنْ أَسْلَمُوا)(٧). وقرأ زيد بن علي : إذ هداكم (٨) بإذ مكان «أن» وهي في مصحف عبد الله كذلك. وهي تفيد التعليل ، وجواب
__________________
(١) وانظر تفسير أستاذنا الفخر الرازي ٢٨ / ١٤٣ و ١٤٤.
(٢) نقله البغويّ والخازن في تفسيريهما ٦ / ٢٣٢ و ٢٣٣.
(٣) قاله صاحب البحر المحيط ٨ / ١١٧.
(٤) زياد من أالأصل.
(٥) قال : «فأن أسلموا في موضع المفعول ولذلك تعدى إليه في قوله : قل لا تمنّوا عليّ إسلامكم».
(٦) وقد ذكره أيضا أبو حيان قال : «ويجوز أن يكون» : «أَنْ أَسْلَمُوا» مفعولا من أجله أي يتفضلون عليكم بإسلامهم أن هواكم».
(٧) من المفعول به والمفعول لأجله.
(٨) وهي شاذة وانظر البحر المحيط ٨ / ١١٨ والكشاف ٣ / ٥٧٢. ومختصر ابن خالويه ١٤٤.