أحدها : أنها كلها صفات الجلالة (١) كالعزيز ، والعليم. وإنما جاز (٢) وصف المعرفة بهذه وإن كانت إضافتها لفظية لأنه يجوز أن تجعل إضافتها (معنوية) (٣) فيتعرّف بالإضافة نص (٤) سيبويه على أن كل ما إضافته غير محضة جاز أن يجعل محضة وتوصف به المعارف إلا الصفة المشبهة (٥) ، ولم يستثن غيره شيئا وهم الكوفيون يقولون في مثل (٦) «حسن الوجه» بأنه يجوز أن تصير إضافته محضة (٧). وعلى هذا فقوله : (شَدِيدِ الْعِقابِ) من باب الصفة المشبهة فكيف أجزت جعله صفة للمعرفة وهو لا يتعرف إلا بالإضافة؟
والجواب : إمّا بالتزام مذهب الكوفيين وهو أن الصفة المشبهة يجوز أن تتمحض (٨) إضافتها أيضا فتكون معرفة وإما بأن «شديد» بمعنى مشدد كأذين بمعنى «مؤذن» فتتمحض إضافته(٩).
والثاني : أن يكون الكل أبدالا لأن إضافتها غير محضة قاله الزمخشري (١٠) ، إلا أن هذا الإبدال بالمشتق قليل جدا إلا أن يهجر فيها جانب الوصفية.
الثالث : أن يكون «غافر» و «قابل» نعتين و «شديد» بدلا لما تقدم من أن الصفة المشبهة لا تتعرف بالإضافة قاله الزجاج (١١) إلا أن الزمخشري قال : جعل الزجاج (شَدِيدِ الْعِقابِ) وحده بدلا للصفات فيه نبوّ ظاهر. والوجه أن يقال : لما صودف بين هذه المعارف هذه النكرة الواحدة فقد آذنت بأنها (١٢) كلها أبدال غير أوصاف ، ومثال ذلك قصيدة جاءت تفاعيلها كلها على «مستفعلن» فهي محكوم عليها بأنها من الرجز ، فإن وقع فيها جزء واحد على «متفاعلن» كانت من الكامل (١٣). وناقشه أبو حيان فقال : ولا نبوّ في ذلك ؛ لأن الجري على القواعد التي قد استقرت وصحت هو الأصل (١٤). وقوله «فقد آذنت بأن كلها أبدال» تركيب غير عربي لأنه جعل فقد آذنت جواب لما ، وليس من كلامهم : لمّا قام زيد فقد قام عمرو. وقوله بأنّ كلها أبدال فيه تكرير (١٥) للأبدال إمّا بدل البداء عند من أثبته فقد تكررت فيه الأبدال ، وإما بدل كل من كل وبدل بعض من كل
__________________
(١) في ب بدل الجلالة للجلالة.
(٢) في ب : جاوز.
(٣) سقط ما بين القوسين من ب.
(٤) في ب : قضى.
(٥) انظر الكتاب ١ / ٤٢٨ ، ٤٢٩.
(٦) في ب : نحو.
(٧) نقل أبو حيان في البحر عن صاحب المقنع عن الكوفيين أنهم أجازوا ف ي «حسن الوجه» وما أشبهه أن يكون صفة للمعرفة قال وذلك خطأ عند البصريين انظر البحر ٧ / ٤٤٧.
(٨) في ب : يتمحض بالياء.
(٩) ذكر هذا الوجه العكبري في التبيان ١١١٥.
(١٠) الكشاف ٣ / ٤١٢ ، ٤١٣.
(١١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٦٤ وانظر الكشاف المرجع السابق والقرطبي ١٥ / ٢٩٠ والبحر المحيط ٧ / ٤٤٧ وانظر هذا كله في الدر المصون لشهاب الدين السمين ٤ / ٦٧٢.
(١٢) في ب : بأن بدون (هاء).
(١٣) انظر الكشاف ٣ / ٤١٣.
(١٤) البحر المحيط ٧ / ٤٤٧.
(١٥) في ب : كذلك وما في البحر تكرار.