ويجوز أن يقال إنّ (لا جَرَمَ) نظير «لا بدّ» فعل من الجرم ـ وهو القطع ـ كما أن «بدّ» فعل من التبديد وهو التفريق ، وكما أن معنى : لا بدّ أنك تفعل كذا بمعنى لا بدّ لك من فعله ، فكذلك (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) أي لا قطع لذلك بمعنى أنهم أبدا يستحقون (العقاب)(١) النار لا انقطاع لاستحقاقهم ، ولا قطع لباطلان دعوة الأصنام أي لا تزال باطلة لا ينقطع ذلك فينقلب حقّا (٢).
فصل
قال البغوي : (لا جَرَمَ) حقا (أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ) أي للدين دعوة في الآخرة قال السدي (رحمهالله) (٣) لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة يعني ليست (٤) له استجابة دعوة ، فسمى (٥) استجابه الدعوة دعوة ، إطلاقا لاسم أحد المضافين على الآخر ، كقوله : وجزاء سيئة سيئه مثلها. وقيل (٦) : ليست له دعوة أي عبادة في الدنيا ؛ لأن الأوثان لا تدّعي الربوبية ، ولا تدعو إلى عبادتها وفي الآخرة تتبرأ من عابديها.
ثم قال : (وَأَنَّ مَرَدَّنا) أي مرجعنا (إِلَى اللهِ) فيجازي كلّا بما يستحقّه ، (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) المشركين (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ). قاله قتادة. وقال مجاهد : السفاكين الدماء (٧).
ولما بالغ مؤمن آل فرعون في هذا البيان ختم كلامه بخاتمة لطيفة فقال : (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ) وهذا كلام مبهم يوجب التخويف ، وهذا يحتمل أن يكون المراد منه أن هذا الذكر يحصل في الدنيا أي عند الموت ، وأن يكون في القيامة عند مشاهدة العذاب حين لا ينفعكم الذكر (٨).
قوله : «وأفوّض» هذه مستأنفة. وجوز أبو البقاء أن تكون حالا من فعال «أقول»(٩).
وفتح نافع وأبو عمرو الياء من : أمري ، والباقون بالإسكان (١٠).
فصل
لما خوفهم بقوله : (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ) توعدوه وخوفوه فعول في دفع
__________________
(١) زيادة من الأصل عن ب والكشاف والرازي.
(٢) قال بهذا الرأي أيضا صاحب الكشاف وتبعه الرازي انظر المرجعين السابقين.
(٣) زيادة من (أ) فقط.
(٤) في ب ليس وانظر البغوي ٦ / ٩٦.
(٥) قاله الرازي ٢٧ / ٧١.
(٦) نقله البغوي في مرجعه السابق.
(٧) الرازي السابق.
(٨) السابق.
(٩) التبيان ١١٢٠.
(١٠) قراءة نافع وأبي عمرو لم أجدها في المتواتر من كتب القراءات ، فهي من الأربع فوق العشر المتواترة فقد ذكرها صاحب الإتحاف ٣٧٩ قال : «وفتح ياء «أَمْرِي إِلَى اللهِ» نافع وأبو عمرو وأبو جعفر» كما ذكرها الإمام الرازي في تفسيره ٢٧٥ / ٧١.