من ملك ونبي ومؤمن. أما الملائكة فهم الكرام الكاتبون يشهدون على الرسل بالتبليغ وعلى الكفار بالتكذيب. وأما الأنبياء فقال تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء : ٤١] ، وأما المؤمنون فقال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣].
قوله «يوم» بدل من «يوم» قبله ، أو بيان له ، أو نصب بإضمار أعني (١).
وتقدم الخلاف في قوله (يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ) بالياء والتاء آخر الروم. والمعنى لا ينفع الظالمين معذرتهم إن اعتذروا (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) البعد من الرحمة ، وهذا يفيد الحصر (٢)(٣) يعني أن اللعنة مقصورة عليهم ، وهي الإهانة والإذلال (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) يعني جهنم.
فإن قيل : قوله : (لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) يدل على أنهم يذكرون الأعذار ، ولكن تلك الأعذار لا تنفعهم فكيف الجمع بين هذا وبين قوله : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٦]؟
فالجواب : قوله (لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) لا يدل على أنهم ذكروا الأعذار بل ليس فيه إلا أنه ليس عندهم عذر مقبول ، وهذا لا يدل على أنهم ذكروه أم لا وأيضا فيوم القيامة يوم طويل فيعتذرون في وقت ولا يعتذرون في وقت آخر.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ)(٥٥)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ...) الآية لما بين أنه تعالى ينصر الأنبياء والمؤمنين في الدنيا والآخرة ذكر نوعا من أنواع تلك النصرة في الدنيا فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى).
قال مقاتل : هدى من الضلالة ، يعني التوراة ، ويجوز أن يكون المراد الدلائل القاهرة التي أوردها على فرعون وأتباعه وكادهم بها ، ويجوز أن يكون المراد بالهدى النبوة التي هي أعظم المناصب الإنسانية (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) وهو التوراة (هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) يعني أنه تعالى لما أنزل التوراة على موسى بقي ذلك العلم فيهم وتوارثوه خلفا عن سلف.
وقيل المراد : سائر (٤) الكتب التي أنزلها الله عليهم ، وهي كتب أنبياء بني إسرائيل كالتوراة والإنجيل والزّبور.
__________________
(١) قال بالبدلية الزمخشري في كشافه ٣ / ٤٣٢ والعكبري في التبيان ١٠٢١ وقال بالثلاثة السمين ٤ / ٧٠٥.
(٢) قاله الرازي في مرجعه السابق.
(٣) نقله الإمام الكبير البغوي ٦ / ٩٧.
(٤) الفخر الرازي ٢٧ / ٧٧ فقد نقل هذه الأقوال مجتمعة.